ومن اسمج الاكاذيب البعثية واتفه المسرحيات الصدامية ما قام به النظام الاجرامي الديكتاتوري عام 1995 من دعوته كافة ابناء الشعب العراقي للمشاركة في انتخاب صدام بن صبحة رئيسا للعراق ولمدة 7 سنوات قادمة , وسط ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية وصحية ومعيشية قاهرة و قاسية جدا , علما ان المحافظات الشمالية وقتذاك انفصلت عن العراق عمليا وتحت حماية دولية في الشمال , بينما تواجدت المعارضة العراقية في اهوار الجنوب , ناهيك عن الاستياء الشعبي العام وامتعاض الاغلبية العراقية من حكم صدام والفئة الهجينة .
وعلى الرغم من كل الحقائق التي تؤكد كره الشعب العراقي وبغض الاغلبية العراقية للنظام الصدامي البشع ؛ ادعى الدجال المشعوذ الهجين المدعو عزت الدوري : ((أن الرئيس صدام حسين حصل في الاستفتاء الذي جرى أمس الثلاثاء على نسبة 100% للتجديد له لولاية رئاسية جديدة من سبع سنوات )) .
وقد اعتبر المؤتمر الوطني العراقي, أبرز حركات المعارضة لنظام الرئيس العراقي - وقتذاك - في لندن، أن نتائج الاستفتاء "غير شرعية" لأن العراقيين يخشون من أعمال انتقامية إذا لم يصوتوا ؛ وقال المتحدث باسم المؤتمر رافضا الكشف عن اسمه : "صدام دكتاتور يعاني جنون العظمة، إنه يفبرك هذه النتائج لإرضاء غروره" , وأضاف أن نتائج الاستفتاء : "مهزلة".
من جانبها اعتبرت الولايات المتحدة – حينها - أن الاستفتاء الذي نظم في العراق لمنح صدام حسين ولاية جديدة لسبع سنوات : "غير جدي" , وقال المتحدث باسم البيت الأبيض آري فليشر في مؤتمر صحفي : "استفتاء هذا اليوم ليس جديا, إنه عملية تصويت غير جدية, ولا أحد يعيرها مصداقية حقيقية".
كما دانت بريطانيا الاستفتاء معتبرة أن إجراء اقتراع حر في العراق أمر غير ممكن , وقال ناطق باسم وزارة الخارجية البريطانية : "لا يمكن حصول انتخابات حرة عندما يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع مع علمهم أن ثمة مرشحا واحدا لمنصب الرئيس وعندما يكون هذا المرشح استخدم أسلحة دمار شامل ضد شعبه وأنه اعتاد على اغتيال معارضي نظامه وتعذيبهم وأن العقوبة التي يواجهونها في حال انتقاد هذا المرشح هي قطع اللسان".
وقد سخر الشريف علي بن الحسين من الاستفتاء واعتبره : "مهزلة وتمثيلية تدل على بؤس النظام وتخبطه وكذبه على الشعب" .
جرى الاستفتاء وبسيطرة تامة من حزب البعث الذي يتزعمه المجرم صدام ، في ظل غياب تام لأبسط معاني الديمقراطية والحرية ، و التي من شأنها إعطاء مساحة مناسبة للحركات والأحزاب والشخصيات السياسية العراقية للمشاركة ، او إعطاء فرصة للناخبين العراقيين لممارسة حقهم الانتخابي في حريةٍ وقبول ورغبة ؛ اذ جرت تلك المسرحية وسط التهديد والوعيد من قبل رجال السلطة والبعث وتحذير الناس البسطاء من مغبة عدم المشاركة , كما ذكرت من ينوي او يحاول رفض انتخاب صدام في هذا الاستفتاء الصوري الى العواقب الوخيمة التي قد تطاله واهله معه ؛ وجرت في ذلك اليوم المشؤوم مراسيم هجينة من قبيل : بث الاغاني والاهازيج المنكوسة والتي تمجد بالمجرم صدام , وتعطيل الحياة قسرا, واعداد ولائم الطعام الخاصة برجال السلطة والبعث وهم يأكلون بنهم وشراهة بينما اعين جياع الشعب تنظر اليهم بازدراء واحتقار .
ولا شك أن مثل هذه التصرفات وغيرها، قد مثلت سوء طالع ونهاية مخزية لكل الانظمة الهجينة التي تعاقبت على حكم العراق منذ العام 1921 ؛ ولاسيما النظام التكريتي الصدامي الاخير و الذي تجاهل كل معاناة الشعب العراقي المختلفة، والتي طالت السواد الأعظم منه ، ليقع فريسة الفقر المدقع والمرض والجهل والامية والتخلف والجريمة ، وقد ألجأت تلك الظروف المواطن العراقي إلى عدم الالتفات لأي شيء يحمل حتى معنى الانتخابات او الاستفتاء وقتذاك ، وكل ما يتعلق بالسياسة وأمور الحكم بل انه عزف عن مراجعة الدوائر الحكومية بسبب قلة ذات اليد والروتين والبيروقراطية والقسوة التي يواجهه المواطن عند مراجعته تلك الدوائر الهجينة ، لم تسأل الفئة الهجينة والطغمة الصدامية نفسها حينها عن الأوضاع المزرية، التي عمّت الشعب العراقي ، والتي راح يرزح تحتها سواءً على الأصعدة المعيشية والاجتماعية والصحية والأمنية .
لقد كان المواطن العراقي ، يعيش في حالة متشابكة ومعقدة، نفسياً وذهنياً ، وممزوجةً بالفقر والجوع والرعب والرهبة ، من قبل ناهبي الثروات العراقية ، ومن قبل زبانية النظام التكريتي الصدامي الذين لا يعرفون الرحمة ويملئون السجون والمعتقلات بالعراقيين .
ومع كل تلك الظروف البائسة يصرح الهجين الغريب المدعو عزت الدوري مخاطبا سيده ومولاه ابن صبحة : (( سيدي اي شخص ما ينتخبك مريض )) ..!! .
واني لأتذكر يومها : أنه لم يذهب أحداً محترما - في بعض مناطق الاغلبية العراقية - يُذكر للمراكز الانتخابية الصدامية بهدف الانتخاب ، باستثناء ابناء الفئة الهجينة وأعوان النظام الصدامي والبعثية وبعض السذج والبسطاء والجبناء والخائفين فقط ، ليس لسلبية المواطن العراقي اتجاهها ، والتي كان سببها النظام فحسب، وأيضاً لازدراء العملية الانتخابية الكاذبة أصلاً ، وخاصة في ضوء الأوضاع المهينة للشعب العراقي وللعملية الانتخابية المزورة برمتها، والتي اصبحت حديثا للتندر و( النكت ) بين العراقيين .
حقا انه كان يوم النفاق الاكبر والدجل والتزوير الاعظم في التاريخ العراقي المعاصر وليس يوم الاستفتاء والانتخابات .
هذه صورة مصغرة كأقل ما يكون عن حالة الانتخابات الصدامية ، و التي سادت المدن العراقية في الفترة المظلمة الماضية، والتي عززت من قناعات العراقيين بضرورة التغيير للصورة النمطية المزرية للحالة العراقية السيئة بين الدول .
ولإيضاح الصورة، فإنه شتان بين انتخابات اليوم والأمس، حيث شهدت الانتخابات البرلمانية العراقية ما بعد صدام ، نسبة إقبال واسعة ، بل إلى درجةٍ مأهولة ، كأول انتخابات برلمانية عراقية حقيقية وعلى الرغم من بعض السلبيات التي رافقتها لأنها من التجارب الجديدة في العراق بل في المنطقة برمتها ، استجابة لطلب من الحركات والقوى السياسية والدينية والاجتماعية ، حيث شهدت نسبة الإقبال على مراكز الاقتراع إلى أعداد عالية ، بالرغم من أن سير الانتخابات شابته بعض المشاكل "التنظيمية" الفنية، والتي لا تجرح العملية الانتخابية إطلاقاً، وكما يحدث أكثر منها، لدى الدول المتقدمة ديمقراطياً.
نعم قلت وتقلصت اعداد المشاركين في الانتخابات الاخيرة بسبب سوء اداء الاحزاب والكتل السياسية ومع ذلك لا توجد اي مقارنة بين انتخابات صدام والفئة الهجينة وما نشهده هذه الايام من حرية التعبير والمشاركة او الرفض والمقاطعة .
فقد واصل الناخبون في العراق ، الإدلاء بأصواتهم على الرغم من بعض الملاحظات التي تخص هذا الملف او ذاك , بل اغلب العراقيين أصروا على التصويت على الدستور وما رافقه من انتخابات برلمانية في بداية التجربة السياسية الديمقراطية ، و بالرغم من التهديدات الارهابية والشائعات وتثبيط الجهات المنكوسة ، لتوصيل رسالة ، تفيد بأنه بات لهم صوتاً ذا قيمة ، بعد سقوط المجرم صدام ، ففي مدن الجنوب والوسط وبغداد وغيرها من المحافظات التي جرت فيها الانتخابات وقف الناخبون بصبر وأناةٍ ، في طوابير طويلة ، انتظاراً للإدلاء بأصواتهم، وفي ظل حريةٍ تامة من قبل الناخبين، أيضًا لوحظ ذلك الإصرار من خلال نقاشات جماعية "ملفتة" ومن كافة الأطياف السياسية، سواءً دينية أو علمانية، يسارية أو يمينية، وذلك في مستقبل حكم البلاد، الذين باتوا يرون أن بإمكانهم المشاركة في تشكيله للمرة الأولى، رغبة منهم في ألاّ يدعوا شيئاً يعترض المسيرة السياسية العراقية الجديدة والشاملة ، و التي يأملون أن تفتح أمامهم الطريق إلى الديموقراطية والحرية السياسية، التي كانت أبعد ما تكون منهم ويكونون منها ؛ بعد الفترات السابقة للحكومات الهجينة والتي دامت 83 عاما ، وما حملته في طياتها من معاناةٍ وبؤس وخوف ورعب ، ومن إراقة دماء... .