من الطبيعي ان يحب المواطن وطنه , ومن السجايا العراقية النبيلة ان يكون الشخص حاميا لجاره , ومن الغيرة والرجولة ان تكون سندا  لأهلك و عونا لقومك و ذخرا لبني جلدتك , تحب من احبوا وتبغض  اعداءهم ومبغضيهم ؛ فأن تحلى شخصك بالصفات المذكورة انفا  ؛ فهذا يعني انك عراقيا اصيلا ووطنيا نبيلا .

ان تكون عراقيا اصيلا يعني ان تكون جنوبيا وفراتيا وبغداديا شيعيا – بالمعنى الاعم – (1) , يعني أنَّك ذاك الإنسان الَّذي  سرت دماء السومريين والبابليين والاكديين والاشوريين والنبط  والموالي والعرب في عروقه , والذي يقف على  اطلال الحضارات العراقية باكيا  و راجياً منها أن  تنهض من جديد وتنفض عنها غبار الاحتلالات والغزوات الاجنبية والهجرات الغريبة المنكوسة والتي غيرت وجه العراق البهي  . 

أن تكون عراقيا  يعني أن تكون غيورا طيبا كريما شجاعا  عطوفاً رحوماً ناقدا ثائرا ابيا للضيم وصابرا على المحن ... و  مهتماً باهلك وناسك وجيرانك وعشيرتك ... و مشفقاً على غيرك ,  و قلقا حول مصيرك و وطنك  ومستعدا للتضحية من اجله .(2) 

أن تكون عراقيا  يعني أن تشعر بإخوتك وانتمائك  وتحافظ على هويتك وارضك وعاداتك وتقاليدك وان تتضامن مع ابناء جلدتك اينما حلوا وارتحلوا . 

أن تكون عراقيا معناه أن تشعر بذاك  الخيط الخفي والذي يربط  بينك وبين أبناء الامة العراقية الاصلاء في مدن وقرى العراق الكبير  

أن تكون عراقياً يعني أن تفهم شؤون القتال و الحرب  والمعارك  حتى وإن لم تعش الحرب فعلاً ؛  لأنك منذ وُلدت  على هذه الارض الطيبة والاعداء والطامعون يحيطون بك من كل جانب  ؛ و أن تعرف بأن الخط المنكوس  ينظر إلى الحروب في بلاد الرافدين العظيمة  "كنزاعات اعتيادية " لا حروب مقلقة ، وان سنوات  السلم كفترات هدنات مؤقتة  لا سلام دائم..!  

و أن تعرف أنك تعيش في منطقة صراعات داخلية وخارجية ملتهبة ... و كل طرف فيها لا يهتم بالضحايا العراقيين  والكوارث الناتجة عن هذه الصراعات بقدر اهتمامهم بالغنائم الناتجة عنها !

أن تكون عراقيا اصيلا  يعني أن تصبر وتصبر ؛ حتى تعجز الجبال عن حمل صبرك  ! 

وبعد كل هذه الماسي والملاحم والمعارك المصيرية والتاريخية  ؛  يتم مطالبتك بأن تنسلخ عن هويتك الحقيقية وتتنكر لتاريخك العريق وتبغض اهلك وقومك  !

بعد الانتكاسة العظيمة والتي تعرضت لها الامة العراقية عند مقتل الامام الحسين وانصاره  , ومضايقة وسجن ومراقبة اتباعه واشياعه ومريديه من قبل السلطات الاموية الغاشمة وبمساعدة اعراب نجد والحجاز والمرتزقة الغرباء ؛ اندلعت الانتفاضة الشعبية الاولى ضد الغرباء والدخلاء المجرمين الا وهي ثورة التوابين العراقية الاصيلة والتي مثلت روح وضمير الاغلبية العراقية آنذاك , الا ان الاغلبية العراقية الاصيلة وان كانت حانقة على السلطات الاموية ومجرمي الاعراب ومن لف لفهم ؛ لم تشارك في الثورة لأسباب عديدة , وذهب التوابون لمقارعة الاعداء بمعركة غير متكافئة , اذ كانت الكفة تميل لصالح الاعداء , فسطروا ملحمة بطولية رائعة ،  , وقد ندم العراقيون الاصلاء على عدم الالتحاق بالمجاهدين والمقاتلين الصناديد من ابناء العراق في معركة عين الوردة ؛ وشكلت ثورة التوابين فيما بعد نواة الانتفاضة الجماهيرية الكبرى ونقطة الانطلاق لثورة المختار الثقفي التاريخية  .

وانتظر العراقيون فرصة اخرى اذ لا زالت النيران مستعرة تحت الرماد , وفار التنور وانطلقت شرارة  ثورة المختار الثقفي  ,  ثورة الجماهير العراقية الاصيلة والتي همشت من قبل السلطات الاموية المحتلة وسرقت حقوقها من قبل مرتزقة الاعراب الغرباء الطارئين , وحققوا الانتصارات تلو الانتصارات حتى وصلت حدود الدولة العراقية  الشيعية الجماهيرية الى ارمينيا ؛ اذ كانت بحق ثورة المستضعفين من العراقيين عربا  ونبطا وموالي  .

وكالعادة تكالبت قوى الاعراب والدخلاء والغرباء والمنكوسون مرة اخرى ضد طموحات وتطلعات الامة العراقية وحشدوا الجيوش الغريبة والمرتزقة من سقط المتاع من بعض العراقيين وزحفوا نحو عاصمة الثورة الشرعية الجماهيرية – الكوفة - ؛ وبسبب تخاذل البعض والتزام البعض الاخر الحياد السلبي , والتحديات الخارجية القوية وتمزق الجبهة الداخلية وتشظي واختلاف الميول والاهواء والآراء بين ابناء الامة العراقية ؛ تم القضاء على الحكومة العراقية الشرعية الجماهيرية ؛ فقد اجتمع عداء ابن الزبير وعبد الملك بن مروان له ولاتباعه العراقيين ، ولم يكن يمتلك القوة  الكافية لمواجهتهم، إذ لم يجتمع حوله كل أهل العراق لأسباب عديدة ، فقد عاداه أشراف العرب  والاعراب – من ذوي الاصول غير العراقية بل حتى بعض عرب العراق من اصحاب الامتيازات السابقة - لإفساده مواليهم عليهم ، ولم توالِه كل الشيعة ، كما أن أنصاره من الموالي لم يكونوا أصحاب قدرة عسكرية كبيرة , اذ ان اغلبهم من الفلاحين والكسبة وهم   كانوا في الغالب من شيعة علي، والذين كانوا يعانون من وضعية اجتماعية سيئة وذلك بسبب الغزو العربي والاحتلال الاعرابي الذي دخل العراق باسم الاسلام ؛ ولعل تأخر  قائده إبراهيم بن الأشتر عن نصرته وفك الحصار الزبيري عنه  من اهم اسباب فشل الحكومة .

ثم دارت الدائرة على جيش المختار، فاضطر إلى التراجع إلى الكوفة و التحصّن داخل القصر , استمر حصار القصر أربعة شهور متوالية، كان المختار خلالها يحاول كسر الحصار عن طريق حرب الشوارع و لكن بعض أهل الكوفة خذلوه أيضاً فظل وحيداً مع قوّاته , و في الرابع عشر من شهر رمضان سنة 67 هجري قرّر المختار مغادرة القصر و قال لأصحابه: ((  ان الحصار لا يزيدنا إلاّ ضعفاً، فلنخرج اليهم حتى نموت كراماً ))  و لم يستجب للمختار سوى سبعة عشر رجلاً فقط فخرج يقاتل بهم الألوف المحدقة بالقصر.

ان المختار يقاتل و هو راكب على بغلة شهباء، و رغم بلوغه السابعة و الستين فقد أبدى مقاومة عنيفة و شجاعة نادرة إلى أن هوى على الأرض شهيداً.

وقد أغرى مصعب الذين ظلّوا في القصر و خدعهم بالأمان و أعطاهم الميثاق أن لا ينالهم بسوء .

و لكن عندما فتحوا أبواب القصر، أصدر أمراً بإعدام الجميع و نفّذ حكم الإعدام بسبعة آلاف انسان  عراقي اصيل في يوم واحد، و كانت مذبحة مروّعة لم تشهد لها الكوفة نظيراً في التاريخ ؛ ونفذ القتل بهم الهاربون من الكوفة من اعراب الكوفة الغرباء والدخلاء من الذين تلطخت ايديهم بدماء الشيعة والعراقيين ومن الذين يطلبون العراقيين بالثأر بسبب قتلهم لقتلة الامام الحسين من دخلاء الشام وغرباء الاعراب النواصب . 

كلما تباطأ الاخ عن نصرة اخيه واعتذر المرء عن تقديم الدعم لقائده ؛ كلما جرت انهار من الدماء يدفع فيها القائد والجماهير ارواحهم ثم تطويهم صفحات التاريخ.

وكذلك فعل المجرم صدام ابن صبحة عندما اخمد الانتفاضة الجماهيرية الخالدة بمساعدة القوى الدولية والاقليمية ومباركة بعض الانظمة العربية الحاقدة ؛ فقد اجهزت قوات الفئة الهجينة ومجرمي الطغمة الصدامية على كل العراقيين وبلا استثناء , وقد امر النظام بعض الموتورين من ابناء الفئة الهجينة من الذين قتل ابناءهم المجرمون في الثورة على ايدي الثوار العراقيين والاحرار الجنوبيين بتنفيذ احكام الاعدامات الجماعية التعسفية بالمواطنين العراقيين العزل . 

 

ولعل قصة القائد المغولي جنكيز خان تؤكد ما ذهبنا اليه انفا فهي لا تخلوا من الحكمة ؛  فعندما اجتاح مدينة بخارى إحدى بلاد خراسان المسلمة عجزوا عن اقتحامها فكتب جنكيز خان لأهل المدينة  : (( أن من سلم لنا سلاحه ووقف في صفنا فهو آمن ومن رفض التسليم فلا يلومن إلا نفسه )) 

فانشق صف المسلمين إلى صفين اثنين : فمنهم رافض له فقالوا : لو استطاعوا غزونا لما طالبوا التفاوض معنا !! 

فهي إحدى الحسنيين إما نصر من الله يسر به الموحدون و إما شهادة نغيظ بها العدو .

أما الصنف الثاني فجبن عن اللقاء وقال )) : نريد حقن الدماء و لا طاقة لنا بقتالهم ألا ترون عددهم وعدتهم ؟؟ )) ؛  فكتب جنكيز خان لمن وافق على الرضوخ والتسليم  : (( أن أعينونا على قتال من رفض منكم و نولكم بعدهم أمر بلدكم ))  فاغتر الناس بكلامه رغبا ورهبا من بطشهم فنزلوا لأمره و دارت رحى الحرب بين الطرفين .

طرف دافع عن ثبات مبادئه حتى قضى نحبه و طرف وضيع باع نفسه للتتار فسيره عبدا من عبيده في النهاية انتصر طرف التسليم والعمالة ولكن الصدمة الكبرى أن التتار سحبوا منهم السلاح و أمروا بذبحهم كالنعاج وقال جنكيز مقولته المشهورة  ((  لو كان يؤمن جانبهم لما غدروا بإخوانهم من أجلنا ونحن الغرباء )) !! .

فلا تخذلوا اهلكم ولا تقتلوا رجالكم فتأكلكم كلاب اعداءكم المتربصين بكم . 

.............................................................

  • الشيعي العراقي  - بالمعنى الاعم يعني كل عراقي اصيل بغض النظر عن مذهبه – عارض حكومات الاحتلالات والغزوات الاجنبية والغريبة, وعشق عدل حكومة علي اي نشد العدل والعدالة  .
  • مقالة أن تكون عربياً / للكاتبة جواهر محمد آل ثاني / بتصرف كثير جدا اذ صغت المعاني بذات الاسلوب وغيرت في الاسلوب نفسه ايضا .