بمجرد ان وطأت قدماه أرض المهجر غير ملابسه كلها  ؛ بدأ من الملابس الداخلية البيضاء البسيطة وصولا الى خلع  ( السترة )  السوداء البالية الكئيبة و التي اختزلت كل معاني الجمود والتحجر والتأخر ؛ اذ أستبدلها بأخرى ماركة من نتاج الصناعة الاجنبية الفاخرة وبألوان زاهية ترجع بالعمر المسروق الى الوراء وتضفي بهجة على الحياة  ... 

ثم قام بحلق الشارب الطويل و الحق  اللحية  الكثة  بالشارب الذي لا زال يرمز للرجولة في موطنه  و صفف شعره الاشعث  ... ؛ لأول مرة يشعر بالخفة والانبساط ..! 

فكأنه نفض عن شخصه غبار قرون من التاريخ الأسود وعقود من الإرث الاجتماعي المفعمة بالكراهية والحقارة والتفاهة ... , و أزاح عن وجهه أكوام من القمامة وطبقات متكلسة من التشويه والإكراه ..!!

سادهُ شعور بالانعتاق من أغلال العقد البيئية الكثيرة والالتزامات الاجتماعية المرهقة  ؛ فهي في بلاده أكثر من الهم في القلب الجريح المُعنى ..

بعدها أنطلق بسرعة الضوء نحو الانفتاح ؛ لعله يقضي ما فاته , ويأخذ نصيبه من متع الوجود وبهجة الكون , اذ كان مشوها ومعاقا , ومشلولا فكريا ونفسيا و روحيا .. 

بدأ بمسايرة الزمن و مواكبة الحضارة ومجاراة التطور ؛ بعد سنين طويلة قضاها في الانزواء عن حركة المجتمع الحي , والاعتزال عن الناس , والتقوقع على الذات ..

و أخيرا  ها هو يرفض الأفكار المعلبة والتقاليد البالية والرؤى العتيقة , واضحى لا يعترف بأي خطوط حمراء او زرقاء ...   

ولسان حاله يقول : الوجود للموجود , والوطن للمواطن , والدنيا لأهلها , واعتقد في قرارة نفسه علاوة على ما سبق بسخافة فكرة  كره الحياة والمخلوقات وبغض الوجود والموجودات  .. ؛ لذا هجم هجوما عنيفا برغبة الفاتح المنتصر على الحياة ؛ فذاق مختلف الأكلات وشرب ما لذ وطاب من أصناف الشراب , وتعرف على أرقى الماركات العالمية وأشترى بعضها , ومارس الجنس بشتى الطرق الشاذة والعتيقة ...  ونبض قلبه بالحب  ومن ثم عرف ان الجنس والحب وجها السعادة وقطبا الاستقرار والراحة النفسية ؛ فراح يقدسهما ولا يمارسهما كما كان يفعل سابقا كالبهائم .. 

كل المحرمات حُللت وكل الممنوعات اجيزت له ,  وكل دساتير الكوابح الفكرية مُزقت , والموانع رُفعت , والحواجز تساقطت , والأقنعة المؤدلجة كُشفت .. 

انبلج صبحٌ جديدٌ خاليا من أحجار المنظومة الفكرية والسلوكية القديمة ؛ فقد أحالها الى ركام وصيرها الى أكوام , وألقاها في مزبلة الأيدولوجيات العتيقة والرؤى البائدة بالقرب من مقبرة الديناصورات المنقرضة ..

لا حاجة له بعد اليوم الى المواد المستعملة ( السكراب ) فقد تخلص منها والى الأبد , اذ أنها طالما وسخت ثيابه , و نفرت أحبابه ... , فقد عاش الحاضر بكل جوارحه وجوانحه ومشاعره وفكره واستمتع به , وأبصر به اشياءا لم يكن قد رآها من قبل ؛ فقد كان أعور لا يبصر الا بعين الماضوية المتخلفة عن مسايرة ركب التطور الإنساني العظيم ..

أضحى الحاضر شغله الشاغل ,  اذ نفرت روحه من سيرة الأطلال والتوقف لأجل البكاء والنحيب عليها , بحيث صار ذكر التقاليد  السلبية والعادات المتخلفة الاجتماعية  والقيم القبلية تُثير في نفسه الاشمئزاز وتشعره بالغثيان ... ؛ وأيقن بان السعادة كل السعادة  تكمن في طلاق الماضوية بصورتها السلبية  والاقتران بالحاضر الزاهر .