ان جراحات سنان وسهام البريطانيين والامريكان لم تبرئ بعد ؛ اذ لا زال جسد الامة العراقية مثخن بالشظايا ؛ وليت الامر اقتصر على هذا البلاء فحسب , اذ ( حشرت ) دول الجوار والاقليم انفها في الشأن العراقي مما زاد الطين بلة , و سعت حكومات مُعينة بشكل سافر إلى التدخل غير المشروع في الشؤون الوطنية العراقية .
وبما ان العراق يشكل بقعة جغرافية غنية بالموارد الطبيعية والبشرية والنفط والغاز ؛ اصبح أرضاً خصبة لزرع الفتن والتدخل الاجنبي والتنافر السياسي الذي إستقطب جهات دولية للعب بالأزمة العراقية وسياسييها .
وقد دعمت تلك الدول بعض الاحزاب والحركات العراقية بالإضافة الى دعم شخصيات واعلاميين توقظ الفتنة المذهبية والصراعات الاهلية وتهدد السلم والامن المجتمعي وتسهل مهمة عصابات الارهاب ومافيات الفساد .
ومن اجل التستر على هذه العلاقات المشبوهة بدول الجوار والاقليم والمخابرات الدولية واخفائها على الامة العراقية او تبريرها للشعب على انها علاقات طبيعية ومتكافئة ولصالح الوطن ؛ ادعت تلك الاحزاب والجماعات والحركات بأنها تعمل لصالح المصالح العليا للعراق , ورفعت شعارات الدين والمذهب تارة والقومية العربية تارة اخرى , والديمقراطية والتحرر ثالثة او الاصلاح ومحاربة الارهاب والفساد ... الخ ؛ لذر الرماد في العيون ولكي يستمر الوضع كما هو عليه او كما يريده الاجنبي الغاشم والمستعمر الظالم .
وقد انتجت تلك الاحزاب والحركات مجموعة من الاجندات المنكوسة والمتناقضة والتي تمثل توجهات الدول الاجنبية والغريبة ومصالحها ولا تعبر عن هموم وتطلعات الامة العراقية , واستخدمت سياسة التلاعب بالعقول والعواطف وسياسة الخداع والتمويه والمكر والكذب وتمثيل الادوار الوطنية والدينية والمذهبية والقومية وغيرها ؛ فما من صحيفة او فضائية او اذاعة او مقر او حلقة ( شلة ) إلا وتنتمي لخط منكوس أو فكر معين مرتبط بالخارج تسوّقه بأجر ، إذ يلعب المال السحت الدور الرئيسي في تجنيد المتلاعبين بالعقول وحرف الصواب أو تغيير القناعات الفردية أو العامة بالبعد عن الحقيقة وطمسها وتغييب الوعي الشعبي ، خاصة في زمن الحروب الباردة او الساخنة او المسرحيات السياسية – مدفوعة الثمن والمتفق عليها سلفا بين العملاء - لإلهاء الامة العراقية عن واقعها المرير وهمومها وآلامها الانية واهدافها المصيرية .
لذلك عملت ولا زالت تلك الاحزاب والحركات على محاربة الاصوات الوطنية الاصيلة وابعاد الشخصيات العراقية الاصيلة عن المشهد السياسي العراقي , و ساهمت في تقليص دور الشخصيات والحركات العراقية التي تعارض التدخل الاجنبي والغريب بشكل صريح وحاسم في الداخل العراقي ، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تهميش وتعرية عملاء الخارج في الداخل العراقي وقطع دابر الاجانب والغرباء والدخلاء ، خاصة أن الدول الطامعة ترى أن أحد التحديات الرئيسية أمام استمرار تغلغلها في العراق لا يرتبط فقط بمعارضة من بعض الاطراف الدولية ، قدر ما يرتبط بتصاعد حالة رفض قطاعات عراقية شعبية وسياسية واسعة ضد الانخراط الاجنبي والغريب في الشؤون العراقية بحجج واهية كحماية الامن القومي لهذه الدولة او تلك او دعم هذا المكون على حساب ذاك ... الخ .
ومذ تسلمت الاغلبية العراقية الاصيلة مقاليد السلطة الجزئية والمقيدة في العراق بعد عام 2003 ؛ هجمت مخابرات دول الجوار والاقليم بالإضافة الى المخابرات الدولية على العراق هجوما منقطع النظير اذ جند هؤلاء الاعداء الاف المرتزقة والقتلة والذباحة والارهابيين لإرباك الاوضاع الداخلية وايقاع اكبر الخسائر البشرية والمادية في العراق , اذ ان هناك تزايداً ملحوظاً - هذه الايام - في دخول المرتزقة الأجانب والاعلاميين والمستشارين إلى العراق ولعل اخر المؤامرات سقوط سيارة مدنية بأرقام عراقية في ساقية في منطقة الطارمية والتي تعج بالإرهابيين وكان ركاب السيارة من عناصر المخابرات المركزية الامريكية ، بالتزامن مع تعزيزات عسكرية تركية جديدة واعتداءات في عدة مناطق شمالية , مع دعوات الاكراد الانفصاليين بالكونفدرالية ؛ بالإضافة الى تعرضات داعش المستمرة ضد القوات العراقية .
وتشير بعض التقارير الدولية لاحتمالية نشوب حرب شيعية شيعية لزعزعة الاوضاع في محافظات الوسط والجنوب العراقي , اذ تعمل بعض المخابرات الدولية المشبوهة والمعادية على جر الاغلبية العراقية للصراع الاهلي والاقتتال الداخلي ؛ مما سيُتيح المجال للأعداء والاجانب والغرباء والدخلاء بضرب الجميع ( ابناء الاغلبية العراقية الاصيلة وبلا استثناء ) وإدخال قوات اجنبية او مدعومة من مخابرات الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما ، بحجة محاربة الإرهاب والفساد وضمان استقرار الوضع العراقي المنفلت .
هذا التدخل سيشكل تبريراً منطقياً للأعداء المتربصين بالأمة العراقية والتجربة الديمقراطية الجديدة ، وسيجعل العراق لقمة سائغة في أيديهم ، ليتقاسموا موارد البلاد فيما بينهم ويحرموا الاغلبية العراقية ويمكنوا الاقلية الهجينة من الفتك والبطش والاجرام والارهاب مرة اخرى بحجة تطهير العراق من الفاسدين .