قـــــــــادة لا عـبـيـــد

يكثر في أدبياتنا الحركية والدعوية الحديث عن الجُندية , وواجبات الجندي , ويقل الحديث عن القائد , وصناعة القائد ودوره وصفاته , مع أن القرآن الكريم وسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء والرسل زاخرة بالحديث عن القيادة والإمارة , لما للقيادة من أهمية عظمى , ودور مهم في بناء الأمة وتوجيهها نحو طرق الصواب وإعطاء الدافعية للأفراد والجنود .

لقد صنع الرسول عليه السلام قادة عظماء , أثروا على مجتمعهم فربوا الناس تربية فريدة فتح الله بهم البلاد وقلوب العباد .

إن القيادة السليمة الواعية هي من المسائل الهامة والحساسة التي تفتقدها أمتنا اليوم , فقد قبلنا أن نعيش على هامش الحياة ,فقدنا هويتنا وذاكرتنا , وجلسنا ننتظرالبطل أو القائد ونسينا أن بإمكاننا أن نكون نحنالأبطال والقادة .

                         صُـــنــع الــقيــــادة أن تُـقـــدم دائـــــمًا

                                                                 في كـــــــــلِّ يومٍ للـحـــيـــاة مـــزيــــدا

                       صُـــنــع الــقيــــادة أن تُــــؤثـــر لا بـِـــأن

                                                    تــبــقـــى بــها مــتــأثـِّـــرًا رعــديــــدا

                        مــا ضــرُّ فـــجرك لـــــو تـلألأ بــاســــــمًا

                                               فــي أن يُـصــاغ قــلائــدًا وعُــقــــــودا

                        ومن الشــجــــاعة أن نــربـــــي ســـــــــادةً

                                        لا أن نُــربـــي للجهــــــاد ِعـبـيـــــــــدا


نعم,  نحن نحتاج اليوم لتربية القادة لا لتربية العبيد

    نحتاج اليوم لصناعة العظماء لا أن يكون بيننا ضعفاء وجبناء 

نحتاج اليوم لأصحاب الرأي , للمبادرين , للمغيرين , أصحاب الهمم العالية , لا للسائرين مع التيار والمطأطئين هاماتهم وأرواحهم  لعدوهم ولأنفسهم الضعيفة .


                                                                     



                                                 

إن المهمة الأساسية للقائد الناجح هي المساعدة والاحتضان واكتشاف القدرات والمحافظة عليها  وتسخيرها لمصلحة الفرد أولًا ثم مصلحة العمل .

لقد كان في قصة سيدنا سليمان مع الهدهد مجموعة من سمات القائد الحقيقي الواعي والحريص , وسأتناول في طرحي مجموعة من هذه الصفات .

  • الدقة و الانتباه واليقظة

فرغم الحديث عن موكب عظيم وحشد كبير من الجيوش لسيدنا سليمان إلا أنه انتبه لغياب أحد جنوده ألا وهو الهدهد !

قال تعالى: "وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ )  سورة النمل آية "20" فقد استحضر سيدنا سليمان أصغر جنوده .

 2. الحزم

كان لابد للقائد الحقيقي أن يكون حازمًا أمام جنده خاصة أن غياب الهدهد لم يعد سرًا بعد أن سمع معظم الحشد سؤال سيدنا سليمان عنه , فكان لابد أن يكون القائد حازمًا حتى لا يكون الحدث بداية سيئة لبقية الجند ." لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ " سورة النمل آية "21"

3 . العدل

فرغم تهديدات سليمان للهدهد إلا أنه لم يكن جبّارًا ظالمًا , حيث أعطى الهدهد فرصة لتوضيح سبب غيابه والدفاع عن نفسه " أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ" سورة النمل آية "21", لذا لم يعطِ سليمان حكمًا نهائيًا على الهدهد .

4 .  عدم التسرع

           لم يتسرع سيدنا سليمان في تصديق رواية الهدهد , وبنفس الوقت لم يكذبها , فقال له "سَنَنظُرُ" وهذا يدل على كمال تحريه، وما يطلب من التوثق من الأخبار المنقولة، سننظر، فيتثبت من هذا النقل " أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ "إذًا فقد أعطى سيدنا سليمان للهدهد فرصة للدفاع عن نفسه واثبات صدق كلامه .

5 . القائد الناجح يدرك مكامن القوة لجنده 

فقد كلف سيدنا سليمان الهدهد نفسه بمهمة لنفس السبب الذي جاء به , فقد قال سيدنا سليمان للهدهد "اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ " سورة النمل آية "28".


6. تحديد المهام للجندي

"اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ " سورة النمل آية "28".

وفي هذه الآيات أيضًا  الصفة السادسة للقائد وهي تحديد للهدهد المهمة الموكلة له , وهي العودة لقوم سبأ وإلقاء رسالة لهم , ومراقبة ردة فعلهم على الرسالة .


7 . التواضع 

من صفات القائد الناجح التواضع وإدراك أن القوة والعلم والجاه فضل من الله رب العالمين .                

" قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾سورة النمل آية "40".

 


*القيادة والإمارة لا تقف عند الأنبياء والرسل والملوك والرؤساء , فقد قال رسول الله صلى الله عليه

وسلم : أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) متفق عليه.

إذًا فالأب قائد لأسرته مسؤول عنها ومسؤول عن تربية أبنائه تربية القادة لا العبيد , والأم مسؤولة عن بيتها ومسؤولة عن إرضاع أبنائها حليب العزة والكرامة والشجاعة لاحليب الذل والإهانة والخضوع , والمعلم أيضًا قائد في ميدان عمله ومسؤول أمام  طلابه بتعليمهم سير وتجارب القادة العظماء لا العبيد , إمام المسجد راعٍ وقائد ومهمته غرس في نفوس المصلين قيم وأفكار وهمة القادة العظماء .  

لذا فكل منا في ميدانه راعٍ وقائد ومسؤول.... مسؤول عن صناعة القادة لا العبيد .

( لولا البلاء والمحنة لظل سيدنا يوسف في حضن والده , لكنه مع الابتلاء والمحنة  صار عزيز مصر )