إن الخط المبكر الذي بدأنا به أولى قراءاتنا ما يلبث ان يصبح "شوقا" نتمنى الرجوع إليه. 

تسأل نفسك اليوم: لماذا أجدني في حنين لتلك الأنفاس الأولى حين كنت أتعرف على القراءة في روحي البِكر؟ هل أن قراءات "الأكبر عمرا" لمتسد الغليل العقيم الذي استطاعت تلك القراءات القديمة أن تشفيه؟!

كلما نضجنا بالقراءة أعمق سندرك أننا نقع في خطر القراءة التراكمية، وهو -فعليا- منزلق خطر وجب علينا أن نكون واعين به.

ذلك أن التيه في القراءة يكمن: في أنك حين تتقنها أعلى وأعلى تضيع منك الأساس الذي انطلقت منه؛ ألا وهو توجهك الذاتي لموضوع أوموضوعات محددة ، كنت -وستظل-في حاجة للقراءة فيها، لأنها بصمة فكرك و لون روحك، والقراءة هي مران لاكتساب مهارة فهم أفكارنا كماتذوّق روحات أرواحنا.

هذا المنحدر- وهو بالحق هكذا- يزينه لك شهوة زائفة في أنك قد امتلكت كل الرؤى لتقرأ كل شيء! ثم شيئا فشيئا، تجدك لا تدرك ما تقرأ، ثمتتوقف عن القراءة بالكلية.

هنا- وحتى لا تترك القراءة بعد طول تعب- ارجع لكتبك القديمة، تلك التي اخترتها بنفسك، واشتريت مؤونتها بمالك الأول، وعشت كلماتهالياليك البيضاء الصغيرة، فإنك هناك واجد قلبك بأجمعه، لم يفرط منه خاطر، وستلقى أحبتك الأول من الأفكار والكلمات التي كانت كلهاالروافع ارتقت بك لترى نفسك بالأمس واليوم، وفي الغد كذلك.

احتفظ بكتبك الأولى، وارجع إليها كلما تبلبل عليك مسار  الفكر وشعرت أن روحك قد ضاقت على اتساع القراءة، ففي تلك الكتب العتيدة كناراشدين قبل أن نرشد.