أنهيت رواية السؤال لغالب هلسا، وأنهيت معها الجزء الأول من أعماله الكاملة في ثلاثة أجزاء ... 

كلما قرأت رواية جديدة لهلسا أيقنت أكثر أنني أمام روائي غير عادي، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه كتب روايته الأولى (الضحك) منذ نصف قرن تقريباً، مما يعني أنه رائد في الأسلوب، او هو من الرواد على الأقل . 

إن روايات غالب - برأيي المتواضع كقاريء مبتديء لغالب، وكقاريء غير مختص بالنقد - روايات لا يمكن ان تُقرأ إلا بالبحث عن دلالات الأحداث والشخصيات، أو رمزيتها؛ فهناك،  في العمق، ما يُراد قولُه دائماً. وهذا ما تكشفه القراءة المتأنية- وربما الدراسة-  لأعماله الروائية واحدة واحدة، ثم ربط رواياته ومقارنتها ببعضها .

سوف ندرك - بعد الدارسة والربط -  أنه عندما يحكي لنا عن العلاقات العاطفية والعلاقات الحميمة، وعن "السفاح" في رواية "السؤال"، مثلا، وعن الزواج بتفيدة، في ذات الرواية. سوف ندرك أنه يناقش وضعاً اجتماعياً وحزبياً وفكرياً وسياسياً؛

 فليس صدفة أن السفاح في رواية "السؤال" انتحر بالتزامن مع حمل تفيدة بعد زواجها من الشيوعي مصطفى؛

مصطفى الذي خاض علاقات غرامية سابقة انتهت عندما تعرف إلى تفيدة، امرأة عادية، ابنة حي شعبي، خاضت هي الأخرى تجارب عاطفية متعددة، انتهت أيضا بعلاقتها، ثم زواجها، بمصطفى . 

كانت تفيدة تسأل باستمرار، وتعمل أكثر مما تتكلم بكثير، فأخرجت مصطفى من سلبيته، وعاد إلى نشاطه، ناقداً ومناقشاً ومراجعا، لأفكار، ولتجارب سياسية واقتصادية، ذات تأثير مباشر على الناس .

أما تفيدة فقررت أن تتعلم . وتُوِّجت العلاقة بزواجهما، وفي ذروة نشاط مصطفى ونقاشاته النقدية مع مجموعة من اتجاه آخر، تحمل تفيدة (التي كانت عاقراً، لاحظ) ويموت السفاح منتحراً .


لقد أثمرت العلاقة الآن، أما سابقاً فقد كانت هناك علاقات شخصية بلا نتيجة، بلا ثمرة، تماما كما كان العقم مرتبطاً بتفاعل غير صحيح بين الحزب ومنظريه، وبين الطبقات الشعبية، كانوا يجتمعون في ابراجهم، ينظِّرون، بتجريد، بلا طائل. فكانت النتيجة صفرا . أما الآن، فهم يدرسون بجدية، ويتناقشون بجدية، ويراجعون افكارَهم وتجاربهم، وتتقارب تياراتهم، ويرفضون ما يضيِّع جهدَهم (كالحديث عن الحزب ذي التوجهات المختلفة، أو الحزبين بتوجهين والذي تم رفضه لاستكمال التأسيس النظري). والأهم، أنهم ارتبطوا بالناس، ممثلين بتفيدة، كان الكل حاضراً في حفلة زواج مصطفى بتفيدة، توجهات مختلفة، والكل فرح بتفيدة، وتم الزواج، وأثمر .. انتهى العقم . وانتحر السفاح.


وكأن السفاح تعبيرٌ عن أوضاع وعلاقات وأفكار سياسية واجتماعية خاطئة، اما علاقة تفيدة ومصطفى، فعلاقة ناضجة بين الشعب/ الوطن والمثقف الناضج الحزبي، المنخرط في هموم وطنه، تزوج من الطبقة الشعبية وعَلَّمها، وهي ايضاً غيرته وتعلَّم منها، لم يكن هناك استعلاء في العلاقة، لم يكن هناك معلم ومتعلم، بل تبادل في الأفكار والتأثير، فكان نجاح العلاقة الزوجية تعبيرا عن نجاح للعلاقة بين المثقف المناضل الحزبي وبين الطبقات الشعبية والوطن. أو تعبير لما ينبغي أن تكون عليه العلاقة، وكأن الحمل رمزٌ لإثمار العلاقة، وهنا يموت السفاح منتحراً. فلم يعد باستطاعته أن يجهض التجارب الحزبية بمجرد الاعتقال او القتل، فقد حملت تفيدة، لذلك، عندما خرج مصطفى برفقة الأمن، معتقلا،  نظر الى تفيدة، ورأى بطنها كبيراً، واطمئن، أنها باقية راسخة، بعد ان كان ينظر اليها وكأنها عابرة، ان اعتقل مصطفى (ضرب الحزب) فالشعب باق، والأفكار باقية، لأنها نبعت من تفاعل مثمر بين مثقفي الحزب، والطبقات الشعبية .


هكذا يجب برأيي ان يُقرأ هلسا؛إنه يقدم مشكلات الوطن والناس والمثقف من خلال علاقات شخصية وعاطفية محملة بالرموز والدلالات . 


إن الرواية -وأظن كل رواياته- تستحق وقفة ودراسة مطولة، وما تقدم مجرد تحليل عام جداً جداً. وقد أكون قد أخطأت فيه، أو لم أصل فيه إلى المعنى الذي اراده هلسا تماما، لكن المؤكد أن قصة السفاح والعلاقات والأحداث، ليست مجرد قصصاً تحكي أزمات اشخاص فحسب، بل تحكي أيضا أزمة مجتمع وأحزاب ومثقفين .


#خواطري_علاء_هلال 

#كتب_علاء_هلال 

#عرض_كتب_علاء_هلال