لا ادعي ان السبب الجوهري والوحيد في تأخر ودمار وخراب العراق هم البريطانيون فقط , فقد ساهمت دول الجوار والاقليم بالإضافة الى قوى الخط المنكوس في ارباك المشهد العراقي , فالسياسات الخارجية المتضاربة لدول الجوار والاقليم انعكست سلبا على الواقع العراقي , وعلى الرغم من كل هذه التحديات الخارجية والتدخلات الاقليمية وتداعياتها السلبية ؛ لم تتوفر في العراق قاعدة سياسية وطنية رصينة ولم يحكم الوطن ساسة وطنيين امناء بحجم التحديات والاخطار المحدقة بالبلاد , فلو وجدت الحكومة الوطنية القادرة والمقتدرة والقوية ؛ لوضعت حدا للتدخلات الخارجية وافشلت المخططات الاستعمارية وسارت بالبلاد نحو التنمية والتطور والازدهار ؛ الا ان الاحتلال البريطاني وكعادته الخبيثة قام بتنصيب شخصيات غريبة واجنبية وذات جذور غير عراقية وساسة عملاء لا يهمهم شيء سوى المناصب والامتيازات .
مما صير العراق ساحة لتصفية الحسابات الدولية والاقليمية ومختبرا لتجارب المخابرات الدولية , ومسرحا لتجاذب و صراع القوى العالمية , وسوقا للمنتجات الاجنبية ؛ وكل ما جرى وسوف يجري كان بسبب اللاعب الرئيسي البريطاني ثم البريطاني الامريكي ؛ فهؤلاء الاشرار ما هم الا حفنة من المجرمين العنصريين والمافيات القذرة لا هدف لها إلا الربح كيفما اتفق , ولهؤلاء فلسفة مغرقة في العنصرية والبراغماتية و القسوة واحتقار الإنسانية فيما يخص شعوب العالم الثالث .
وهؤلاء المجرمون الاشرار المحتالون لا يجيدون إلا لغة الابتزاز والتهديد والوعيد للدول والشعوب والطوائف والاقوام والجماعات , ولا يعترفون بحقوق الشعوب والانسان , فهم بلا ميثاق ولا إنسانية ؛ و ينقضون عهودهم ويخالفون تعهداتهم ويستبدلون عملاءهم وادواتهم كما يغيرون ( جواريب ) احذيتهم .
كانت حملة الإنجليز على العراق ، ثم هزيمتهم للدولة العثمانية الغاشمة المحتلة ، بمنزلة نهاية لمرحلة عذاب و تيه و خراب وبداية لأخرى ؛ إذ كان المحتل البريطاني طامعا بالخيرات والثروات العراقية ويريد الاستيلاء عليها ، ومن أجل تحقيق هذه الغاية، وتثبيت يد وأقدام المستعمر، كان على البريطانيين أن يُحكِموا قبضتهم على البلاد عبر العديد من الإجراءات والمخططات والتنظيمات القانونية والسياسية والاقتصادية والثقافية بل والدينية .
كان أول ما قام به الاحتلال البريطاني- بعد القضاء على ثورة العشرين الشيعية العراقية - من التغييرات الجوهرية لضمان سيطرته وبقائه في العراق واستغلال ثرواته ونهب خيراته تشكيل حكومات عميلة ضعيفة , اذ كانت بريطانيا تُشرف على الوزارات والدوائر والهيئات من خلال نظام المفتشين او المستشارين الذين مارسوا دورا رقابيا وتابعوا مدى تنفيذ نظم الإدارة البريطانية في الوزارات والدوائر الحكومية ، بل كانت الادارة البريطانية تشرف وتراقب كل صغيرة وكبيرة تحدث في العراق , بل دون الانكليز كل شاردة و واردة تخص العراق والعراقيين ؛ لذلك لا زال العراق يعاني من بشاعة المزاج الإمبريالي البريطاني وقسوة وخبث السياسة الانكليزية .
وكلنا يعرف أن السياسة الإنجليزية رأت أن تقف سداً دون انتشار التعليم في العراق فرمت وزارة المعارف بمنكوس هجين اجنبي يدعى ساطع الحصري عمل جاهداً على أن يجعل من الجيل الجديد مجرد موظفين لدوائر الحكومة العميلة محدودي المعرفة مسلوبي الإرادة ؛ وكما عمل على حرمان الاغلبية العراقية من فرص التعليم وعرقلة المساعي الهادفة لمحو الجهل والامية في الجنوب والوسط العراقي , وفرض مناهج دراسية بالية وغير منتجة واعتماد قراءة تاريخية مناقضة لما تؤمن به اغلبية الامة العراقية , اذ كان البريطانيون لا يسمحون بإنشاء مدرسة ابتدائية أو ثانوية في مناطق الاغلبية العراقية إلا بإذن خاص من الطائفي الاجنبي المدعو ساطع الحصري ، وما أندر ما يأذن ذلك الهجين المنكوس ومن على شاكلته من شراذم الفئة الهجينة العملاء .
وأصبح العراقيون بسبب هيمنة الاحتلال البريطاني وتدخله المباشر في رسم السياسات الداخلية والخارجية العراقية شعباً محكوماً عليه بالتيه والعوز والعذاب والتخلف والمرض والجهل ... الخ بل حكم عليه بالطرد من سجل الشعوب المتقدمة والمستقرة ؛ وهم يدفعون منذ أكثر من قرن ثمن التشبث بهويتهم ووطنهم ونتيجة للتآمر البريطاني أرواحهم وحرياتهم وممتلكاتهم وعذاباتهم جيلاً بعد جيل وعقدا بعد اخر .
والى يومنا هذا ، ما تزال بريطانيا تشارك بنشاط في أي جهد يستهدف القوى الوطنية العراقية المعادية للخط المنكوس في العراق ، وتساهم في كل عمل يدمر مقدرات الأمة العراقية ويحرم الاغلبية العراقية من الحكم والثروات الوطنية ؛ ولعل التسريبات الاخيرة والتي نسبت للسيد المالكي تكشف لنا مدى خطورة تامر البريطانيون ضد الاغلبية العراقية ومحاولة اسقاط التجربة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وارجاع عقارب الساعة الى الوراء من خلال تمكين الغرباء والدخلاء من الحكم مرة اخرى ؛ وقد كشفت الاحداث الطائفية في العراق بعد سقوط نظام الفئة الهجينة ان للبريطانيين والامريكان يد طولى في تأجيج الاوضاع وافتعال الصراعات الطائفية بين العراقيين وقد القي القبض على بريطانيين في البصرة وهم يرتدون ملابس احدى الفصائل الاسلامية الشيعية العراقية وهم يقومون بعمليات ارهابية تستهدف السلم والامن الاهلي والمجتمعي في البصرة .
فالبريطاني كالجزار كلما شعر بتحرك القطيع او محاولة هروبها نحو المراعي الخضراء كلما شحذ سكينته لذبحها وسلخها بلا رحمة ؛ فما من حركة ثقافية تفشل وثورة شعبية تجهض وانتفاضة جماهيرية تقمع الا من وراء هؤلاء الاشرار ؛ فأن نهم الاستعمار يسيل لعاب الإنجليزي ويدفع يده إلى امتلاك كل بقعة من الأرض مجاورة لما اغتصبته يده من قبل، ولكل قطر سهلا كان أو جبلا، نهراً أو قناة، يقع في طريق إمبراطورتيه المترامية الأطراف .
ويبدو أن الولايات المتحدة قد سلمت الملف العراقي للبريطانيين الذين بدأت نكبة الامة العراقية بهم ؛ فهاهم يرسمون أقدار العراقيين مع الامريكان من جديد ؛ وعليه ينبغي على كل عراقي وطني غيور التصدي للمشروع البريطاني التخريبي الجديد في العراق وفضحه وتعريته في كافة وسائل الاعلام ومنابر التواصل الاجتماعي والشعبي واستذكار كافة الجرائم البريطانية بحق ابناء الامة العراقية ؛ والعمل على استعادة الوطن من الهيمنة الاجنبية الغاشمة وتحرير الشعب من قوى الخط المنكوس , واعلم بأن الشر يدفع الشر وأن الظلم لا يقتله إلا الظلم ولا يفل الحديد الا بالحديد .
# رياض سعد