قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( بَدَأَ الإسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كما بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ)، ومن أشد مظاهر الغربة، أن يطعن في القطعيات والثوابت، وهذا الطعن في بلاد المسلمين، وممن يزعم أنه مسلم أحيانا، ويمكَّن له في القنوات والمنابر الإعلامية، ونحن في آخر الزمان حيث(إنَّها ستَأتي على النَّاسِ سِنونَ خَدَّاعةٌ، يُصدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكذَّبُ فيها الصَّادِقُ، ويُؤتمَنُ فيها الخائِنُ، ويُخَوَّنُ فيها الأَمينُ، ويَنطِقُ فيها الرُّوَيبِضَةُ. قيل: وما الرُّوَيبِضَةُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: السَّفيهُ يتَكلَّمُ في أَمْرِ العامَّةِ)، ومن هذه البلايا التي ابتلي بها المسلمين، الهجوم عليهم وعلى عقيدتهم في مواسم العبادات، وأبرز مثال على ذلك عبادتي الأضحية والهدي والتقرب إلى الله بالذبح، ومما ثبت في فضل الأضحية قوله صلى الله عليه وسلم:(ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم).
وما إن تأتي فريضة الحج وما يتبعها من ذبح الهدي للحجاج أو الأضاحي لعامة المسلمين، إلا ويبرز صوت الذين في قلوبهم مرض، ويقولون لماذا لا تدفعون مالا للفقير بدلا من الذبح، وبعضهم يقول اعبدِ الله بالصلاة وتقديم الطعام وليس بالذبح، وآخر يتباكى على الحيوانات المذبوحة مع أنه يأكلها طوال العام، وغيره يصف المسلمين بالتخلف والوحشية كونهم يذبحون الحيوانات تقربا إلى الله تعالى، ولو تتبعت قذاراتهم لكانت كتابا كاملا، وهنا وقفات مع هذا الطرح العجيب:
- من المتفق عليه أن دعاة هذا الطرح من العلمانيين وغيرهم لا يعجبهم شيء في الدين، فعداوتهم للإسلام وليس حبا ولا رحمة بالحيوان، فهناك ملايين الحيوانات تقتل يوميا ولا يتباكون عليها، وتباكيهم إنما هو غل في قلوبهم على الدين الحق، فهم مناقضون، فذبح ملايين الدجاج والأبقار يوميا لأجل الأكل والمال لا يعترضون عليه البتة، وبذلك يفضحون أنفسهم قال تعالى:(وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ).
- كهنة العلمانية يزعمون أنهم يقفون من الأديان موقف واحد، وهذا أولا: اعتراف منهم بتسويتهم بين الحق والباطل، فالعلمانية مثلا تساوي بين عبادة الرحمن وعبادة الفئران، ثانيا: هذا كذب لأننا نرى أكثر هجومهم على الإسلام وعلماء المسلمين والشعائر الإسلامية، والديانات الأخرى تعج بالخرافات والأوهام ولا يستهزئ منها كهنة العلمانية، فهل رأيت مسلسل يسخر من حاخامات اليهود أو معتقدهم، أو أبقار الهندوس وخرافاتهم، قال صلى الله عليه وسلم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)، فالمسلمون اليوم يهاجمَون ويتهَّمون بأبشع التهم الكاذبة ولا بواكي لهم.
- مشكلة الإسلام مع العلمانية وأذنابها أنهم لا يعظمون الله الواحد القهار، فمستحيل تجمع بين العلمانية وتعظيم الله جل وعلا، فالمسلم يعظم الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، أما العلمانية ومشتقاتها من ديمقراطية وشيوعية وغيرها، لا تعظم الله، بل يشمأزون من تعظيم الله (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)، فافعل أي شيء لكن لا تربطه بالخضوع والتعبد لله عز وجل يقبلونه ويحترمونه لأنه رأي آخر حسب زعمهم، أما تعظيم الله والخضوع له فهذا مزعج لهم لأن مناهجهم الوضعية الوضيعة قائمة على تعظيم الإنسان أو الشعب أو بالأحرى عبادة أهوائهم، (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) ، ولا يريدون التحاكم إلى شرع الله الحكيم الخبير.
- هؤلاء الذين في قلوبهم مرض هدفهم محاربة الإسلام كله، فلو تركنا عبادة الأضاحي ووزعناها دراهم كما يقترح بعضهم، هل سيتوقفون عن سخريتهم وهجومهم على الإسلام، لا وألفُ لا، فلا نلتفت لهم ولا إلى عوائهم، فهدفهم الأسمى الصد عن سبيل الله، قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)، يريدون نقض الإسلام عروة عروة وقد جاء وصفهم في الحديث أنهم :(دُعَاةٌ علَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَن أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، قالَ: نَعَمْ، قَوْمٌ مِن جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بأَلْسِنَتِنَا)، وقال تعالى:( فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى).
- نفور الذين في قلوبهم مرض من كهنة العلمانية واللبرالية وغيرهم من عبادات كذبح الأضحية، يعنى أنه من باب أولى لن يرضوا بأن الحكم لله العلي الكبير، قال تعالى:(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا)، وهذا يؤكد خطرهم على الإسلام والمسلمين وأن شرهم مستطير، وجهادهم من أوجب الواجبات، وقد وصلوا إلى الحكم في كثير من بلاد المسلمين فأذاقوا المسلمين الويلات، وحاربوا الفضيلة ونشروا الرذيلة، ومكَّنوا لدعاة الشرك والصد عن سبيل الله.
- فالخلاصة أن هؤلاء الذين في قلبهم مرض يقبلون أي شيء بشرط أن لا تعْمله من منطلق إسلامي، فهم لا يريدون الإسلام أو على الأقل يريدون إسلاما مسخا حسب آرائهم وأهوائهم، وكل أعداء الإسلام لن يتوقفوا عن حربه، وعلينا أن نمشي في الطريق الحق، فإن نهايته جنة عرضها السماوات والأرض، ولنعلم أن الجهاد كما يكون بالسنان يكون بالحجة والبرهان قال تعالى (فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا)، نسأل الله أن يجعلنا من (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ). [email protected]