غيرُ خافٍ الان على كل مسلم عظيمُ فائدة الدعاء فالقرآن والسُّنّةُ مليئةٌ بالآيات والأحاديث الدّالة على فضله ورفيع قدره وعلوِّ مكانته وكثرةِ عوائدهفهو سنة الأنبياء والمرسلين ودأب الأولياء والصالحين ووظيفة أنه من أفضل العبادات يجلُبُ لقلب الذَّاكر الفرَحَ والسرورَ والرَّاحةَ ويورثُ القلبَ السكونَ والطُّمأنينةَ أنه مفتاح أبواب الرحمة يطردُ الشيطان ويقمعُه ويكسِرُه ويكون حِرزٌ لصاحبه هو نورًا للذَّاكر في الدنيا ونورًا له في قبره ونورًا له في مَعَاده يسعى بين يديه على الصِّراط فما استنارَت القلوبُ والقبورُ بمثل ذكر الله .
ايها الداعي الكريم :
فأعلم أن الدعاء سببٌ رئيس لرد كثير من الخطوب فكم من بلاء رُدَّ بسبب الدعاء وكم من بلية ومحنة رفعها الله بالدعاء وكم من مصيبة كشفها الله بالدعاء وكم من ذنب ومعصية غفرها الله بالدعاء وَكم من رحمةَ ونعمة ظاهرة وباطنة ونصر وعز وتمكين ورفع درجات فى الدنيا والآخرة كان سببها الدعاء فما أعظم شأن الدعاء وما أعظم فضل الله ونعمته .
وأعلم أن كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء يتناول دعاء المسألة الطلب ودعاء العبادة الأبتهال وهذه قاعدة نافعة فإن أكثر الناس إنما يتبادر لهم من لفظ الدعاء دعاءُ المسألة فقط ولا يظنون دخول جميع العبادات في الدعاء وهذا خطأ جرهم إلى ما هو شر منه فدعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة ودعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة ويراد بالدعاء في القرآن دعاء العبادة تارة ودعاءالمسألة تارة ويراد به تارة مجموعهما .
وأعلم أن للدعاء أوقات شريفة يُسْتَجب فيها وهذه الأوقات إما صريحة بالكتاب والسنة أو مستنبطة من القرائن دققها المحققين من السلف الصالح وهي كثيرة جداّ ومنها جوف الليل الآخر وساعة من يوم الْجُمُعَةِ لا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ يَسْأَلُ الله فِيهَا خَيْرًا إلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وبين الأذان والأقامة ودبر الصلاة المكتوبة وعند نزول المطر والمؤمن يدعو ربه أينما كان وفي اي وقت أو زمان ولكن هذه الأوقات تخص بمزيد من العناية فإنها مواطن يستحب فيها الدعاء .
وأعلم أن للدعاء احوال يكون العبد فيها قريبا من الله سبحانه وتعالي كما في الدعاء حال الأنكسار والدعاء حال السجود والدعاء حال الكروبوالشدائد والدعاء حال الإضطرار والدعاء حال السفر والدعاء حال الصيام .
وأعلم أن للدعاء شروطا ينبغي الالتزام بها حتى يحقق الدعاء مقصوده من القبول والاستجابة بأذن الله سبحانه وتعالي كإخلاص النية وعدم الإستعجال ووجوبية التوبة واللقمة الحلال وحسن الظن بالله وحضور القلب وصفاء الذهن والأمر بالمعروف والجزم في الدعاء وفعل الخيرات .
وأعلم أن آيات وآحاديث كثيرة من الكتاب والسنة أشارت لعباد الله المستجاب دعاؤهم مثل دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب ودعوة المظلوم علي من ظلمه ودعوة الوالد على ولده و دعوة الصائم وقت صيامه ودعوة الولد الصالح لوالديه ودعاء من بات طاهرا على ذكر الله ودعوة الحاج والمعتمرودعوة الذاكرالله كثيرا ودعوة الأمام العادل والدعوة عند احتضار الميت والدعوة بصالح العمل فالعمل الصالح نعم الشفيع لصاحبة في الدنيا والآخرة .
وأعلم بأنه ليس ثَمَّ أماكن بعينها نص عليها الشارع يستجاب فيها الدعاء وما ورد في بعض الكتب عن أماكن بعينها مجربة فهذه ليس لها سند صحيح يؤيدها وقلنا إن الدعاء عبادة ومسألة ومدارالعبادة والمسالة علي التوقيف من الشارع الحكيم والمؤمن يدعو ربه بأي صيغة خالية من التعدي أينما كان وفي اي وقت أو أية مكان .
ومن مستحبات وآداب الدعاء يفضل أن تكون متوضأ حتى تقبل على الله تعالى طاهراّ من الخبث والحدث متطيبا متهيئا لمناجاته ودعائه وأن تستاك بفرشاة من أثر طعام أو شراب لأن الفم هو وسيلة الدعاء ويفضل استقبال القبلة ورفع اليدين وبسط الكفَّين عند الدعاء ويفضل إخفاء الدعاء والإسرار به فذلك أعظم إيمانا وأفضل أدبا وتعظيما وأبلغ في التضرع والخشوع وأشد إخلاصا وأبلغ في جمعية القلب على الله في الدعاء وأدل على قرب صاحبه من الله وأدعى إلى دوام الطلب والسؤال وأبعد عن القواطع والمشوشات والمضعفات وأسلم من أذى الحاسدين فبين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يُسمع لهم صوت إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم واستحباب قطعُ الذكرعند حدوث أمور قد تعترضُ الذاكر ثم يعودُ إليه بعد زوالها ليكون خالي البال ومنها إذا سُلِّم عليه ردّ السلام ثم عاد إلى الذكر و إذا عطسَ عنده عاطسٌ شمَّته ثم عاد إلى الذكر و إذا سمع الخطيبَ وإذا سمع المؤذّنَ أجابَه في كلمات الأذان ثم عاد إلى الذكر وكذا إذا رأى منكراً أزاله أو معروفاً أرشد إليه أو مسترشداً أجابه أوإذا غلبه النعاس أو أحس بأرهاق وأن تجزم في عطاء الله ولا تستطيل الإجابة .
وقبل أن تبدأ سواء كان دعاؤك ( مسألة ) أو ( عبادة ) ووجدت في نفسك تعب أو نصب أو أرهاق عليك بقول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ( عشر مرات ) فهي بأذن الله المفتاح الذي سيضيء قلبك وسيعينك ويعطيك القدرة علي الدعاء .
وعند قرعك الباب يجب أن تستأذن فتقول :
بسم الله .
والحمد لله رَبّ العالَمِينَ .
والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم .
ثم تبدأ بالدعاء :
( عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال بيننا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إذ دخل رجل فصلى فقال اللهم أغفر لي وارحمني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عجلت أيها المصلي اذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله وصلي علي ثم ادعه قال ثم صلى اخر بعد ذلك فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أيها المصلي ادع تجب ) .
واعلم لحظة رفع يديك بالدعاء : أن التوبة والأستعفار أولاّ وبأستمرار تعد من أهم قواعد الإسلام وأول مقامات سالكي طريق الآخرة وكثيراً ما يُقْرَنُ الاستغفار بذكر التوبة فيكون ( الاستغفار ) حينئذ عبارة عن طلب المغفرة باللسان ( والتوبة ) عبارة عن الإقلاع عن الذنوب بالجوارح وقد وعد اللهسبحانه بالمغفرة لمن تاب من ذنوبه وأقلع عنها بجوارحه ولم يصر على فعلها ثانية فابدلها له حسنات أما من أستغفر باللسان مع إصرار قلبهعلى المعصية فهو دعاء مجرد إن شاء الله أجابه وإن شاء رده .
وهذه أخطاء يقع فيها الكثيرون تجاه التوبة :
( 1 ) تأجيل فعل التوبة : البعض يدرك خطأه ويعلم حرمة ما يقع فيه ولكنه يؤجل التوبة ويسوّف فيها وهذا تقصير عظيم في حق نفسه لأن المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور ولا يجوز تأخيرها فمتى أخرها عصى بالتأخير ولذا تجد هنا بأنه يجب على المسلم أن يتوب إلى الله في كل وقت وحين فلربما أدركه الموت وهو لم ينقض توبته .
( 2 ) الغفلة عن التوبة : من الأخطاء التي لا يدركها المسلم هو غفلته عن التوبة وقلّ من يتفطن لها ولا ينجي من هذا إلا بتوبة عامة مما يعلم من ذنوبه ومما لا يعلم فإن ما لا يعلمه العبد من ذنوبه أكثر مما يعلمه ولا ينفعه في عدم المؤاخذة بها جهله إذا كان متمكناً من العلم فإنه عاصٍ بترك العلم والعمل فالمعصية في حقه أشد ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل فقال أبو بكر : فكيف الخلاص منه يا رسول الله ؟ قال : أن تقول : اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم .
( 3 ) الخوف من التوبة : من الناس من تحدثه نفسه بالتوبة ولزوم الاستقامة ولكنه يخشى لمز الناس وعيبهم إياه ووصمهم له بالتشدد والوسوسة وهذا خطأ فادح إذ كيف يقدم خوف الناس على خوف رب الناس وكيف يؤثر الخلق على الحق فالله أحق أن يخشاه .
( 4 ) التساهل في التوبة : هناك الكثير من المسلمين يتمادي في الذنوب اعتماداّ علي سعة رحمة الله وهذا الضرب من الناس قد تعلق بنصوص الرجاء واتكل عليها وتعلق بكلتا يديه بها وإذا عوتب على الخطايا والانهماك فيها سرد لك ما يحفظه من سعة رحمة الله ومغفرته وما يعرفه نصوص الرجاء وللجهال في هذا الباب غرائب وعجائب
( 5 ) اليأس من التوبة : يقول الله تعالي : إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ وقال جل ذكره : قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ .
( 6 ) التفاخر بفعل التوبة : وهذا الغرور قد يصاحب بعض التائبين وكأن توبته قد قبلت وذنوبه قد محيت فيدفعه هذا الغرور إلى أن يقع في بعض الذنوب الأخرى .
( قال صلى الله عليه وسلم : ارحموا تُرحموا واغفروا يغفر الله لكم ويل لأقماع القول ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون ) .
( ويقول الله تعالي : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ياعبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم ) .
وسيد الأستغفار :
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإِنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .
من قالها من النهار موقنا بها فمات فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل موقنا بها فمات فهو من أهل الجنة .
ثم أدخل علي الله وأدعوه رغبة ورهبة أدعوه وتوسل أليه سبحانه خلال دعاؤك دوماّ باسم من أسماءه أو صفة من صفاته فهي أشرف الوسائل وأعلاها وأقواها فيما يتقرب به العبد الي خالقه ولا تتجاوز ذلك الى الاسماء التي لم ترد في القرآن والسنة او الاسماء التي ابتدعها المبتدعة وأهل الاهواء قال تعالى : " وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " فقد سمى الله سبحانه اسماءه بالحسنى لأنها حسنة في الأسماع والقلوب فإنها تدل على توحيده وكرمه وجوده ورحمته وافضاله كما يجب أن يشتمل الدعاء علي الأسم الاعظم الذي اذا دعي به اجاب ومثال ذلك :
أن تقول : اللهم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم اللطيف أن تعافيني .
أو تقول : أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن ترحمني وتغفر لي .
أو تقول : اللهم إني أسألك بأن لك الحمد أنت الله بديع السموات والأرض ياذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم .
أو تقول : اللهم إني أسالك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد .
أو تقول : اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك .
وأحرص دائماّ أيها الداعي علي أختيار أحسن الألفاظ وأنبلها وأجمعها للمعاني وأبينها ولا أحسن مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة فإن الأدعية القرآنية والأدعية النبوية أولى ما يدعى بها بعد تفهمها وتدبرها لأنها أكثر بركة ولأنها جامعة للخير كله في أشرف الألفاظ وأفضل العبارات وألطفها ولأن الغلط يعرض كثيرا في الأدعية التي يختارها الناس لاختلاف معارفهم وتباين مذاهبهم في الاعتقاد والانتحال .
وعلى الداعي أن يختار من الاَدعية المأثورة ما يناسب حاله وحاجته فبعض الاَدعية تناسب حالة الخوف وبعضها حالة الرجاء وبعضها للبلاء وبعضها للرخاء إلى غير ذلك من الاَحوال المختلفة التي ترد على الاِنسان فعليه أن يقرأ في كلِّ حالة ما يناسبها من الاَدعية المأثورة مترسّلاً وكأنّها من إنشائه ويدعو بلسان الذلّة والخشوع لا بلسان التشدّق والاستعلاء مع التدبّر في معانيها والتضرُّع فيها .
ولا تنسي الإلحاح عليه سبحانه وتعالي في دعاؤك بتكرير ذكر ربوبيته وهو أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء فإن الإلحاح عليه يدل على صدق الرغبة فأن الله يحب الملحين في الدعاء ومن ذلك تكرير الدعاء فعن ابن مسعود يصف دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وكان إذا دَعا دعا ثلاثاً وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : إن الله يحب الملحين في الدعاء ويقول صلي الله عليه وسلم : " ما وجدت للمؤمن مثلا إلا رجلا في البحر علي خشبة فهو يدعو يارب يارب " .
وأعلم أن للدعاء آفات ومكرهات حاول جاهداّ أن لا تقع فيها مثل الدعاء بما هو مستحيل والأعتداء في الدعاء برفع الصوت والمبالغة فيه يعد من المهلكات وتحجير الرحمة كأن تقول اللهم اشفني وحدي فقط أو ارزقني وحدي فقط والدعاء على الأهل والمال والنفس والدعاء على وجه التجربه والإختبار لله تعالي كأن تقول سأدعو الله فإن نفع وإلا لم يضر والدعاء بالإثم كأن تدعو علي شخص أن يبتلى بشيء من المعاصي وتكلّف السجع في الدعاء وكأن تقول : " حسبي من سؤالي علمه بحالي " وهي دعوى باطلة للإعراض عن الدعاء والاتكالٌ على أن الله يعلم حال العبد ويعلم حاجته وهذا القول الذي لا أساس له في الشرع يدفع العبد بأن يعرض عن الدعاء متصوراّ أنه بهذا لا داع للدعاء والسؤال واشتمال الدعاء على توسلات شركية أو بدعية كالتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بذاته الشريفة أو بغيره من الأنبياء والملائكة والصالحين فلا يصح التوسل الا بالله وحده والاستثناء في الدعاء أي تعليق الدعاء بمشيئة الله تعالى مثل أن يقول : اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت وقول بعضهم عند الدعاء " اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه" والصواب سؤال الله رد القضاء وأن يستعجل العبد ويستبطيء الاجابة فيستحسر ويدع الدعاء وهو بمنزلة من بذر بذراَ أو غرس غرساَ فجعل يتعاهده ويسقيه فلما أستبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله وهذه من الآفات وتمني الموت وسؤال الله ذلك فبعض الناس إذا نزل به البلاء تمنى الموت والصواب أن تقول : اللهم أحيني إن كانت الحياة خيراً لي وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي والدعاء بتعجيل العقوبة كأن يخطأ الإنسان ويقول : " اللهم عجل عقوبتي في الدنيا لأدخل الجنة يوم القيامة وأسلم من عذاب النار " والصواب أن تقول : اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الأخرة حسنة وقتا عذاب النار والتفصيل في الدعاء تفصيلاً لا لزوم له كأن يقول : " اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا وخالاتنا… " وهكذا ويستمر في ذكر تفصيل الأقارب والجيران وغيرهم أما إذا كان التفصيل معقولاً ومحدوداً فلا بأس بذلك ويكره رفع البصر للسماء .
وأعلم أنه ينبغي لمن كان له وظيفةٌ من الذكر في وقت من ليل أو نهار أوعقب صلاة أو حالة من الأحوال ففاتته أن يتداركها ويأتي بها إذا تمكن منها ولا يهملها فإنه إذا اعتاد الملازمة عليها لم يعرّضها للتفويت وإذا تساهل في قضائها سَهُلَ عليه تضييعها في وقتها فعن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : " مَنْ نامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شيءٍ مِنْهُ فقرأهُ ما بَيْنَ صَلاةِ الفَجْرِ وَصلاة الظُّهْرِ كُتب له كأنما قرأه من اللَّيل".
وأخيرا عند خـتم الدعـاء يجـب أن تقول :
اللهم إنا نسألك من فضلك .
وصلى الله على نبينا محمد وعلي آله وصحبه وسلم .
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وأعلم أيها الداعي أن عدم إجابة الدعاء : إما لعدم القيام بالشروط أو الوقوع في الموانع أو لأسباب أخرى تكون في صالح العبد وهو لا يدريوعلي العبد أن ينظر فيما يطلبه عند الدعاء هل هو لإصلاح دينه أو لمجرد هواه فأن كان للهوي المجرد فأعلم أن من اللطف بك تأخر الإجابة فأنت بألحاحك في الدعاء بمثابة الطفل يطلب ما يؤذيه فيمنع رفقاَ به .
وأن كان لصلاح دينك فربما كانت المصلحة تأخيره فكل ما يجري أصلح لك ( عطاءَ ) كان أو ( منعاَ ) وإياك تنسي أنك مملوك ولك مالك يتصرف بمقتضي إرادته فإن منعك فإنه سبحانه وتعالي منعك لطفاَ بك وما دام العبد يلحُّ في الدعاء ويطمعُ في الإجابة من غير قطع فهو قريب من الإجابةومن أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له .
فأياك أن تستطيل مدة الاجابة وكن ناظراَ إلي ( أنه الحكيم في التدبير - وأنه العالم بالمصالح - وأنه يريد أختبارك ليبلوا أصرارك - وأنه يريد أن يأجرك بصبرك ) وكل واحدة من هذه تقوي الظن في فضله وتوجب الشكر له إذ أبتلاك للإلتفات إلي سؤاله والوقوف علي بابه وأعلم أن الحكيم لا يفعل شيئاَ إلا لحكمة وتلك الحكمة لا يدركها الا المؤمن العاقل ويكفي أن تقرأ في كتابه الكريم قوله تعالي : وعسي أن تكرهوا شيئاَ وهو خير لكم وعسي أن تحبوا شيئاَ وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون .
إن العبد ليقدم علي الأمر من السلطة أو التجارة أو الزواج حتي لا يكون بينه وبينها إلا ذراعاَ فيقول الله لملائكته أصرفوا هذا الامر عن عبدي فإني لو يسرته له لأدخلته جهنم فيظل الجاهل يتظنن بجيرانه سبقني فلان حسدني فلان وهو لا يعلم أن الله قد أختار له .
فإذا تأخرت الإجابة فسلم وفوض الأمر وتأولَ للمنع وقل : ربما يكون المنع أصلح وربما يكون لأجل ذنوبي وربما يكون التأخير أولي وهاهنا يتبين الإيمان ويظهر في التسليم جواهر الرجال فأن تحقق التسليم ظاهراَ وباطناَ فذلك شأن الكامل .
وأحذر الأنبساط من أستجابة الدعاء فأذا أستجيب الله تعالي لدعاء عبده ولم يتأخر فهو نوع من الكرامة والكرامة من شروطها الاستتار والمعجزة من شرطها الإظهار فيجب علي العبد في هذه الحالة أن يقف علي البساط ويحذر الأنبساط فقد أخبر صلي الله عليه وسلم العشرة من أصحابه أنهم من أصحاب الجنة ولم يكن في ذلك زوال خوفهم بل كانوا أكثر تعظيماَ لله تعالي وأشد خوفاَ فالسعيد من ختم له بخير والعواقب مستورة ولا يدري أحد ما يختم له به فوجب الحذر وخوف المكر يقول تعالي : فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون .
وأخيراّ نفهم بأن الدعاء هو العمل ألعبادي الذي يكون به المرء في كل أحواله متجهاّ بوجدانه وضميره إلى الله عز وجل في ضراعة وانكسار ليستمد منه العون والسداد في مواجهة الحياة ومغالبة مصاعبها والاستعلاء علي مغرياتها وتخصيص العبد لدعاء معيّن أو في زمن مُعين أو بوقت مُعيّن أو مكان معين يَجعله في حيّز البِدع ومن المحدَثَات .
أيها الداعي الكريم :
بعد أن تعرفنا على الفوائد الجليلة للدعاء والتي يترتب عليها الأجور العظيمة فإني أُخاطبكم من القلب إلى القلب بأن تغتنموا أوقاتكم الثمينة في الأدعية والاذكار الممزوجة بالأعمال الصالحة التي تنفعنا في الدنيا وفي الآخرة تلبية لقول المصطفي صلي الله عليه وسلم في هذ الشأن : " اغتنم خمسا قبل خمس .. حياتك قبل موتك .. وصحتك قبل سقمك .. وفراغك قبل شغلك .. وشبابك قبل هرمك .. وغناك قبل فقرك " واعلم أن ما من ساعة تمر على ابن آدم غفل ولم يذكر الله تعالى فيها إلا وكانت حسرة عليه وندم ندماً شديداً عند لقاء ربه يوم القيامة ".
بقلم : أحمد عبد الفتاح الشرقاوي