من فضل الله علينا ورحمته أن جعل لنا مواسم للخيرات، ومحطات للتزود بالصالحات، فما يخرج المسلم من موسم حتى تشرئب عنقه إلى الذي يليه، ويبتهل إلى الله أن يبلغه إياه، ويجعله من أهله، وها نحن نتفيَّءُ ظلال (أَفْضَلُ أَيَّامِ الْدُّنْيَا)، و(الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ)، إننا (فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ)، أقسم الله تعالى بها بقوله [وَلَيَالٍ عَشْرٍ] إنها العشر الأوائل من ذي الحجة، ومن الملاحظ أن الناس يغفلون عنها، ولا يعتنون بها عنايتهم بالعشر الأواخر من رمضان.

 أما أبرز سماتها فجاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ »؛ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)، وبفضْل الله الأعمال كثيرة ومتنوعة، وأبواب الخير لا حصر لها، ولكن هنا سنشير إلى أعمال ميسورة، وسهلة على من يسرها الله له، والناس صنفين: موفق ومخذول، (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) فنقول وبالله التوفيق والسداد من هذه الأعمال:

النية: 

(إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى) حديث مشهور، وهناك مقولة رائعة ومشهورة أيضا أن:(عبادات أهل الغفلة عادات، وعادات أهل اليقظة عبادات)، فنحن لا بد وأن نأكل، وننام، ونعمل، وننفق على أهلينا وأولادنا،  كلها هذا إن احتسبها العبد، فهي مع سهولتها وكونها روتينا يوميًا، إلا أنها بالنية تتحول إلى رصيد من الحسنات، فهنيئا لمن استحضر النية الصالحة في جميع شئونه.

حسن الخلق: 

لحسن الخلق مكانة عظيمة في الإسلام، وهذا واضح، حيث أنه (ما مِن شيءٍ أثقلُ في الميزانِ من حُسنِ الخُلُقِ)، فمتى حسن العبد المسلم خلقه مع مَن حوله، فقد ثقَّل ميزانه بالحسنات، من خلال تعامله اليومي في بيته وعمله وسوقه بما يوافق هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم،  وهو قدوة وأسوة لنا ووصفه ربنا بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، فحسِّن أخلاقك تكسب مودة الناس، ومحبة خالقك وتثقَّل ميزان حسناتك.

 كف الأذى:

(المسلم كما يؤجر على فعل الطاعات وبذل المعروف كذلك يؤجر على كف الأذى وصرف الشر عن المسلمين لأن ذلك من المعروف وداخل في معنى الصدقة)، والصحابة سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم فـ(قالوا يا رَسولَ اللَّهِ، أيُّ الإسْلَامِ أفْضَلُ؟ قالَ: مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسَانِهِ، ويَدِهِ)، تأمل (أفْضَلُ)، فكف الشر يستطيعه أي أحد، وفي الحديث قال أبو ذر- رضي الله عنه-: قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل ؟ قال : (تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فإنَّها صَدَقَةٌ مِنْكَ علَى نَفْسِكَ)، فإن عجزت عن الإحسان إلى الناس، فلا تعجز عن الإحسان إلى نفسك وإلى الناس بكف شرك وأذاك. عنهم.

نشر الخير: 

قال ابن المبارك - رحمه الله : « لا أعلم بعد النبوة درجة أفضل من بث العلم »، و قال ابن الجوزي رحمه الله : « من أحبَّ أن ﻻ ينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم »، ونحن والحمد لله في زمن تيسر فيه نشر العلم حتى للعوام، فضلا عن طلبة العلم، أو من عنده خبرة في التعامل مع التقنية، والكثير منا يقضي الساعات الطوال محدقًا في شاشة جواله، ومن السهولة بمكان أن ينشر الخير ويحذر من الباطل، من دون مجهود يذكر.

أخي في الله إن استعظمت صيام النهار في أيام الصيف، وقيام الليل في وقت النوم والراحة فدونك أبواب الخير مشرعة، وميسورة، فأقبل على الله وتعرض لرحماته، فإن :

الموت يأتي بغتةً  *** والقبر صندوق العمل

نسأل الله أن لا يحرمنا من فضله

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آلة وصحبه وسلم

[email protected]