نسوة 


لقد كان صباح  كالمعتاد زقزقة الطيور الشمس في الأُفق و سفرة الإفطار في الموعد المحدد قبل موعد المدرسة بساعة  أم فؤاد لا تقل نشاط عن دقات الساعة في عمل متواصل حتى إنها تسبق الوقت احياناً إيقاض الأولاد الحرص على تفقد حقائبهم  تسرحهم إلى المدرسة تعود لإنجاز أطنان الأعمال اليومية بنشاط  ، أم فوئد لا شيء مميز فيها كما تعتقد أم لسبعة أطفال ربة منزل كرست حياتها من عمر الرابعة عشرة لبيتها و أسرتها ، رسبت مرتين  في مادة الرياضيات  في المدرسة الثانوية لم تعاود المحاولة تركت المدرسة فور زواجها تركت الحياة معلقة كما هي عليه جميع مخاوفها و أحلامها و تصرفاتها علُقت من يومها لم تعد تدري أهي منحتها للزمن أم سرقها منها تنظر في المرآه خطوط بيضاء تغزو مقدمة شعرها محمرّة الأطراف بفعل الحنّاء جلدٌ أجعد يؤكد  هو الآخر مرور الزمن تتزاحم الأسئلة في رأسها تتضارب تعلو تصخب كأن صورة إنعكاسها قد ذكرها بالطفلة في عمر الرابعة عشرة كيف توقف جحيم الأسئلة ؟ الطفلة الآن تدينها بكل شيء عن شبابها عن حياتها خارج حدود المنزل تقف محملقةً فارغة كيف ستجيب سؤال تمتد إجابته لمدة اثنان و أربعون سنة كيف ستبدأه وكيف تنهيه يكسر صخب هدوءها جرس الباب تنظر إلى الساعة التاسعة تتذكر موعد جارتها أم سعد كل يوم إثنين تفتح الباب الجارة أم سعد بترمس القهوة و التمر في كيس بني اهترأ من طول استخدامه و تحمل في يدها الأخرى رضيعها الثالث بعد سعد  


:أم فؤاد ألم تجهزي بعد؟ 


لقد نسيت تماماً امهليني دقيقتين 


تسرع لغرفة نومها  تلبس عباءتها و تقفل الباب مرتين و تذهب للباب الخارجي تقفله مرتين و تفتحه للتأكد تضحك أم سعد 

لا تخافي فاللصوص نيام في الضحى

لربما كان من نصيبي لص نشيط 

تضحكان بصوت خفيض تمشيان بصوب الوادي تحت شجرة  النيم الكبيرة الخارجة  من حدود مزرعة أبو علاء ظلها يكفي لخمسة حصائر تتجمع نسوة الحارة كل ضحى  إثنين  تحتها تفرش الحصائر وتبداء الأحاديث أغلبها عن مشاغل البيوت و مشاكلها و تربية الأطفال و الشكوى المستمرة من أزواجهم تبداء أم محمد في الشكوى من زوجها البخيل الذي يقسم الدجاجة والواحدة على يومين تقول بفكاهةٍ اعتادها الكل منها : أقول له يا أبو محمد الله يرضى عليك احنا بلأولاد ستة  كيف يكفينا نص دجاجة يقول لي كثري رز أكثر من الرز يحاسبني نص الشهر جايب طواحين أنا ؟ و الله الطاحونة أحسن مني تذوق قمح و دخن  وبنّ و أنا صنف واحد رز مع نص دجاجة لمدة أربعين سنة. 

ينفجرن في الضحك أم محمد وقصص بخل زوجها أم تركي و قصص زوجها الفقير المنتوف كما تصفه وزواجه بالرابعة هذي المرة أما أم هشام و أولادها الشياطين و شجّهم لرأس عامل النظافة قبل أيام هبه وقصص وحدتها في منزلها  بعد أن توفي زوجها فاضل تتشابه  القصص في أصل المعاناه لكن تختلف ألوانها تنظر أم فؤاد إليهن لم تكن الوحيدة التي سرقها الزمن هن ايضاً تغافلهن خط على جباههن و أثلج على ما بان من مقدمات شعرهن لم يكن كريماً حتى عندما منحهن أطفالهن سرق  منهن أسمائهن من هي أم سعد لا تتذكر اسمها حتى هي أم سعد فقط  تنظر يرتدين أعباءهن السوداء يسقين ظلال النيمة بهمومهن ثم  عند الحادية عشرة  يعدن لمنازلهن تنظر أم فؤاد لظل النيمة المنحسر تعتذر إليه : أنت أيضًا لم تقوى علينا من يقوى؟ هل نصيبنا العظيم من كل شيء العظيم من الهم العظيم من الحزن العظيم من الكيد ؟ يقطع تأنيبها صوت أم سعد: أم فؤاد أم فؤاد سنتأخر تتنهد العظيم من الشغل أيضًا تعود إلى المنزل تتجاهل الجواب عن صخب الأسئلة  تتعلق بروتينها اليومي لا تعلم للخلاص أم الفرار ربما معاً.