(إنَّ الإيمانَ ليَخلَقُ في جوفِ أحدِكم كما يَخْلَقُ الثوبُ ، فاسأَلوا اللهَ أن يُجدِّدَ الإيمانَ في قلوبِكم) ، هذا قبس من مشكاة النبوة، ويتبين من خلاله أن الإيمان لا يكون على وتيرة واحدة، وقد سُئِلَ الأوزاعي-رحمه الله- عن الإيمانِ (أيزيدُ؟ قال: نعَمْ، حتى يكونَ كالجِبالِ. قيل: فيَنقُصُ؟ قال: نعَمْ، حتى لا يبقى منه شيءٌ)( أخرجه اللالكائي في السنة (5/1030))، ومن أهم ما يجدد الإيمان في قلب العبد، بل ويجعله كالجبل الراسي، هو المحطات الإيمانية، وحديثا هنا عن محطة سنوية عظيمة، ومنحة ربانية جليلة، ألا وهي أيام العشر، وقد كتب الكثير عن فضائل هذه الإيام ويكفينا فيها حديث: (ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ . قالوا : يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجلًا خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ) ، وهنا محاولة لِلَفت انتباه ربان الأسرة إلى عظم الغنيمة، وسهولة الاغتراف منها لمن وفقه الله تعالى، فكيف نحفز أهالينا لنفْضِ غُبار الغفلة، والانطلاق نحو معالى الأمور؟ .. فيما يلي همسات للأسرة المسلمة، لعلها تنبه غافلاً أو تذكر ناسيا، أو تعين باحثاً:
· الاستشعار والاستعداد: إن الناس يلتفتون إلى أهمية الحدث وفقاً والتغطية الإعلامية حوله، والزخم المصاحب له، والتكرار له، فعلى الأسرة أولاً أن تهيئ للعشر قبل قدومها، وذلك بقراءة كتاب مع الأبناء حول فضائل هذه الأيام، وطلب من كل فرد أن يقدم جدولاً للعمل الصالح فيها، ثم تتم مناقشة هذه الجداول، كما أن المقاطع الصوتية والمرئية والصور حول هذه الأيام يمكن أن يلفت الأولاد إلى عظم هذه الأيام، وأهم ما في الاستعداد التخطيط، وجاءت الإشارة إلى التخطيط في سورة يوسف: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ)... الآيات، حيث أن من يمشي بلا خطة، ينتج قليلا، ويتعب كثيرا.
· الاستفادة من رمضان: معلوم أن رمضان يحس به كل أحد، وتشعر بالتغير الهائل في سلوك وحياة الناس، وهذه الأيام نهارها أفضل من نهار العشر الأواخر من رمضان، ولو نظرنا إلى رمضان لرأينا أن كل شيء في البيت يتغير بمجرد غروب شمس آخر يوم في شعبان، فمن أجواء رمضان مثلا: كثرة التالين للقرآن في البيوت والمساجد، أما أبرز ما في رمضان فهو الصوم، فإذا صام كل أو بعض أهل البيت من هذه العشر، وإذا لاحظ الأبناء والديهم حاملين لكتاب الله تعالى وتالين له آناء الليل وأطراف النهار، فلا شك أنه سيؤثر عليهم إيجاباً، وسوف يكون هناك مناخاً مشابها لرمضان.
· الغنيمة .. الغنيمة: مواسم مضاعفة الأعمال أيامها معدودة، وقد حثنا نبينا عل اغتنام العمر القصير، فكيف بأيام فقط ممن تلكم السنين فقال:(اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ : شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ) . لذلك علينا أن نطلق صيحة نذير في البيت خصوصا وفي الناس عموما، بأن العشر تنادي: لعلِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا.
· التفرغ: (نِعمَتان مَغبُون فيهما كثيرٌ مِن الناس: الصِّحَّة والفَراغ) إذا الفراغ نعمة عظيمة، فكيف إذا صادف موسما للتجارة مع الله، لذلك فأخذ إجازة لمن أمكنه ذلك ليتفرغ لكسب الأجور والتزود من المحطة الربانية بوقود الإيمان، ويعبئ رصيده ورصيد عائلته الأخروي بالحسنات.
· القدوة: إذا ذُكرتْ التربية أو الأسرة، ذُكرتْ القدوة، فإصلاح نفسك ومجاهدتها جزء من أساسي من تربية أولادك، فالأفعال أبلغ من الأقوال، والله أرشدنا وبين لنا أفضل القدوات، فقال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقتَدِه)، فكن مقتدي بالأنبياء حتى يقتدي بك أهل بيتك، حيث وصف الله الأنبياء بقوله:(إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ).
· الإبداع: من تأمل القرآن وجد فيه أمثلة كثيرة من البيئة العربية القديمة، فالله تعالى خاطب العرب وضرب لهم الأمثال من بيئتهم لتكون أقرب إلى الفهم، وأبلغ في الحجة (ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ)، لذلك علينا أن نتلمس ما يهمُّ أبناءنا، وما الذي يؤثر عليهم ويكثر من مصاحبتهم، ونستخدمه في طاعة الله ومنها استغلال العشر بالعمل الصالح، فالذي في نظرك تافه، قد يكون محط اهتمام أبنائك.
· البيان: ثم بين لأفراد الأسرة ما هو أفضل شيء يمكن أن يعملوه في برنامج عملي سهل وواضح، حتى لا يتخبطوا، وقد بين الرسول صلى الله لنا شيئا من تلك الأعمال الخاصة بتلك الأيام بقوله:(ما مِن أيَّامٍ أعظَمُ عِندَ اللهِ ولا أحَبُّ إليه مِن العَمَلِ فيهنَّ مِن هذه الأيَّامِ العَشرِ، فأكثِروا فيهنَّ مِن التَّهليلِ والتَّكبيرِ والتَّحميدِ).
· الانطلاق: لا ننسى أن من أهم الأعمال الصالحة بث العلم، ونشر الخير بين الناس، قال ابن المبارك - رحمه الله :« لا أعلم بعد النبوة درجة أفضل من بث العلم »((تهذيب الكمال ١٦ / ٢٠)) ، و« من أحب أن لا ينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم »( التذكرة لابن الجوزي : ٥٥) ، فأجره متعدٍ، ومستمر، فوجه أولادك بدعوة غيرهم بجميع الوسائل الشرعية، لا سيما التقنية التي يحسنها الأبناء كثيرا، ويعيشون في فضاءاتها، و(مَن دَعا إلى هُدًى، كانَ له مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن أُجُورِهِمْ شيئًا).
· دليلك: وأخير أحب أن أختم المقال ببعض الكتب المتوفرة على الشبكة والتي يمكن للوالدين أن يستقيا منها، وتكون مرجعا لهما، ومورداً لبرنامج الأسرة في العمل الصالح:
- 44 فائدة في عشر ذي الحجة. لـ محمد صالح المنجد حفظه الله.
- أحاديث عشر ذي الحجة وأيام التشريق .. أحكام وآداب. لـ عبدالله الفوزان حفظه الله.
- أحكام الأضاحي والعشر الأول من ذي الحجة - سؤال وجواب. لـ د راشد العليمي.
- الأيام الفاضلة عشر ذي الحجة- لـ محمد السبر، تقديم الشيخ: عبدالله الجبرين.
وصلى الله على البشير النذير والسراج المنير وعلى آله وصحابته والتابعين
سالم محمد احمد