البيت ،البيت

يُسمي المغتربون محل نزولهم بالسكن ! أظن أن أبلغ كلمة يمكن أن نصف بها منزل المرء هو السكن ،أي ما يسكن فيه المرء ،ما تسكن فيه روحه وإليه

البيت وإن كان غير مؤهل ،لا يحوي فخيم الأثاث أو كَثيره ،إن كان قيد الإنشاء أو "التوضيب " ،إن كان في أحايين "مكركب" ،وحينًا يضيق صدرك بالعبثية المردوم فيها ،لكنه يبقى بيتك ،حين تغيب عنه ترجع لتردد بعفوية "البيت وحشني


البيت ،البيت ليس بالحوائط المزينة أو الأثاث البهيج ،البيت ذاك الركن الذي تجلس فيه لتؤدي مهامك ،المحل الذي تتقاسم فيه طعامك مع شريكك في المنزل إن كان زوجا أو أخا أو من كان ،البيت هو ذاك المحل الذي تشعر فيه بروحك تتمدد عن آخرها براحة ،هو ذاك المكان الذي تقترف فيه كل ما تروم ،هو أن تسير أشعيا ،أن تسير بملابسك الداخلية دون غضاضة ،أن تطلق ريحًا ،أن تقهقه وأن تنْشُج

حين انتقلت لمنزلي الجديد مذ أيامٍ تحصى ،لم يكن قد جهز بعد ،كانت الأغراض تأتي تباعًا ،ولا أدري يقينًا أي لحظة شعرت فيها ان ذاك بيتي ،لكن

-أظن أن البيت حينًا هو الشريك فاينما وُجد كان البيت ،ثم يصير البيت المؤثث مع الشريك منزلًا تضفي المشاعر على الجمادات معنى وقيمة- ،ثم شعرت أن هذا المكان صار سكني 

 !لم يكن مجهزًا بعد ولا زال ،أُرتب فيه كل حينٍ شيئا قل أو زاد ،نتعاون في رص أغراضنا في جعله نظيفًا ،وأظن أن ما يضفي على المكان بهاءا هو أن تفعل ما تفعله فيه بحب 

تبدأ بالإحساس بأن ذاك بيتك ،حين تشرع في تنظيفه ،في إضفاء لمسات جمالية في تغيير شيء محل آخر ،لذا لم تكن الفنادق يومًا بيوت ؛طالت الإقامة فيها أو قصرت 

.رأيتُني حال عودتي بتلقائية اقول "تصدق ،البيت وحشني "ولم تبلغ بعد اقامتي فيه ايام معدودة ..

البيوت تصنع بالحب والحفنة من الصبر ،بالتجربة والخطأ ،بمئات المرات من تغيير التنسيقات ،بالشجارات التي تليها المصالحات ،بالشخوص الذين يتشاطرون معنا السكن ،ثم يستحيل كل ذلك ذكريات ،نعم ،تصير للطاولة ذاكرة للفراش ذاكرة وللثلاجة ..تصير للجمادات ذاكرة ،وكل الأمور هي جامدة حتى يصير لها ذاكرة 

لذا تغنى به الشعراء ،لشدة ما يجده المرء في ذاك المكان ولا يجده في غيره 

"بيت العز يا بيتنا ..على بابك عنبتنا " وبيت العز هذا قد يكون مجرد طوب لبن بحصيرة لا تستر أرضا ، لكنها تستر روحه فيجد فيها السكن والسكينة

.السكن هو بيت ،والبيت دومًا حين ينزل عليه الحب يكون السكن