ثمرة الخلاف:

قبل أيام ذهب الأهل لفرحة نسائية عائلية وحينما عادوا سألتهم عن بنات فلان من العائلة، فقالوا: لم يأتوا. فسألت لماذا؟ قالوا: لأنهم يرون بحرمة الموسيقى وفي الفرح تضطر للإستماع لها.

تذكرت هنا قصة أحد العلماء المعاصرين حينما قاطعه شقيقه الأصغر لأكثر من عقد من الزمان بسبب أن الشيخ كان يملك تلفازا في بيته؟!

وحدث معي مرة أن أخا أراد السفر لأوربا فأخرج التأشيرة لأهله ولم يمنحوه (التأشيرة)، فحينما حدثني بالأمر قلت له: لعلك تخفف من لحيتك ففي ذلك رخصة خصوصا أن (الفيزا) لا تحتمل هذا المنظر، فرد علي: لا شك بأن تخفيف اللحية من الخلاف السائغ ولكن المسألة عندي مبدئية؟!

وأنا متأكد أن هناك قصصا كثيرة من هذا النوع في وقتنا المعاصر، ولكن إن مثل هذه التصرفات تدل على جهالة رعناء بالفقه الإسلامي لا بمجرد ارتكاب محرم -كقطيعة الرحم أمام أمر خلافي فحسب كالغناء واللحية- وإنما أيضا بالتشدد في مواضع لا فائدة من التشدد فيها، وسأعطي أمثلة على الموازنات في مثل هذه الأمور:

- رُوي عن الإمام أحمد أنه كان يرى الوضوء من الحجامة والفصد فسئل عمن رأى الإمام احتجم وقام إلى الصلاة ولم يتوضأ أيصلى خلفه؟ فقال رحمه الله: كيف لا أصلي خلف مالك وسعيد بن المسيب؟  ومعنى ذلك أن الإمام يرى بالوضوء ولكنه يتنازل لأن الخلاف سائغ.

- اغتسل أبو يوسف في الحمام وصلى الجمعة ثم أُخبر بعد الصلاة أنه كان في بئر الحمام فأرة ميتة، فلم يُعد الصلاة وقال: نأخذ بقول إخواننا من أهل الحجاز "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث".

- ومن هنا كان عند المالكية أصلٌ أصيل وهو العمل بدليل المخالف، ومعنى ذلك أنه إذا جاءت امرأة ما مثلا مع زوجها، وقد تزوجت بغير إذن أبيها فأخلت بشرط الولي في الزواج، فإن القاضي يحكم عليهم بصحة الزواج بالرغم أن المالكية يشترطون الولي في الزواج ولكنهم يُفعّلون (بالتشديد) دليل المخالف (الأحناف) حتى لا يُعتبر هذا زنى وأن الأولاد أولاد زنى تماشيا مع المصلحة الأسرية.

- حُدثنا عن الشيخ عبدالفتاح أبو غدة أنه أمّ  مرة جماعة شافعية من الأحساء فجهر بالبسملة بالرغم أنه حنفي المذهب ولكنه فعل ذلك احتراما لهم.

هذه هي ثمار معرفة الاختلاف بين أهل العلم وليس ثمرته الترجيح بين الأقوال فقط أو احترام القول المخالف؟ فما هو الإحترام إذا لم نضعه في عين الإعتبار؟

وكم نحتاج لفهم هذا المبدأ خصوصا أن للمسلمين خُطاً كُتبت عليهم مما يوجب عليهم الأخذ بأقوال معينة تماشيا مع الواقع، بدلا من تنشيف العقل والرأس.