حلب الشعب الزنكَلاديشي
حيدر حسين سويري
اعتمد العرب فن الإشارة في الكلام حتى قيل: وكل حكيم بالإشارة يفهم، واعتبروا ذلك من البلاغة، ولهذا كانت لغة القران فيها من الإشارة الشيء الكثير، وهكذا ديدن العرب في ضرب الامثال (وهي عبارات مختصرة توصل حكمة ومعرفة كبيرة)، وقد يكون وراء المثل قصة في اغلب الأحيان، وكذلك اعتمد الشعراء قول بيت شعر او عدة ابيات لإيصال فكرة معينة وحكمة دالة، وكما قلنا: فكل حكيم بالإشارة يفهم، وبما ان الناس اكثرهم لا يعقلون كما عبر القران، أي ليس لديهم جهاز استقبال الاشارة فتفوتهم الحكمة، بل اكثر من ذلك فهم يأخذون الحكمة من مثل او بيت شعر وينزلونه مكان السخرية، وانما يدل ذلك على قصر فهمهم وأن الإشارة لم تصل اليهم.
يردد الناس بيت الشعر القائل: بعيتي رأيت الذئب يحلب نملةً ويشرب منها رائباً وحليبا
هو بيت شعر غريب نوعا ما، يتناقله الناس على أساس الفكاهة والسخرية، والكثير لا يعرف معناه الحقيقي أو قصته، فهل الذئب يستطيع أن يحلب نملة؟ وهل النملة لديها حليب أصلا؟! وما كمية حليب النملة حتى يكفي أن يكون غذاءً للذئب؟ لكن هل فكروا في تلك الأسئلة عندما قرأوا بيت الشعر؟! هل عرفوا أن بيت الشعر لأحد عمالقة الشعر العربي وأجلزهم لفظاً وأحسنهم نظماً وأعظمهم شأناً، إنه الشاعر أبو الطيب المتنبي، بكل تأكيد لم تصلهم الإشارة، لأنهم ما عرفوا القصة ولا الحكمة التي أرادها المتنبي، يقول المتنبي عن قصة هذا البيت: كنت في أحد أسواق الكوفة واقفاً قرب امرأة فقيرة تبيع السمك. فجاء رجل غني جداً أعرفه، يرتدي ملابس غالية الثمن، تدل سيماه على الغنى الفاحش. قال للمرأة: بكم رطل السمك؟ فقالت له: بخمسة دراهم يا سيدي، قال لها بتكبر: بل بدرهم للرطل الواحد. فقالت له باستعطاف: أنا امرأة فقيرة والسمك ليس لي بل لرجل أبيعه له فيعطيني ما قسم الله لي. فقال الرجل باستعلاء: بل بدرهم ليس أكثر. فقالت المرأة بقلة حيلة: بل بخمسة دراهم. فقال الرجل الغني وهو يشير باستخفاف: أوزني لي عشرة أرطال. فأعدت له المسكينة عشرة أرطال من السمك على أمل أن تحظى بالثمن كاملاً، فأخذهم الرجل منها بقسوة ورمى عليها عشرة دراهم وذهب مسرعاً فنزلت دموع المسكينة وأخذت تنادى عليه فلم يجب، يقول المتنبي: فناديت عليه بنفسي فلم يجب، لقد كان ذئباً في غناه وبخله ولؤمه، وكانت نملة في ضعفها وفقرها وأنشد يقول:
بعيني رأيت الذئب يحلب نملة ويشرب منها رائباً وحليبا
ما يعانيه الشعب الزنكَلاديشي من ظلم وطمع وجشع المسؤولين، لهو أشد وأفظع وأكبر من ظلم هذا الذئب البشري لتلك المرأة الفقيرة، فكل يوم نستهل يومنا بسرقة جديدة ومصيبة عظيمة، يتحدثون عن التريليونات كأنهم يتحدثون عن فلسات! هم لا يرون الفقراء الذين يقتاتون على بقايا طعام المتنعمين الملقى في حاويات القمامة، ويدلاً في أن يجدوا حلا لهؤلاء الفقراء، يطل علينا وزير التخطيط الزنكَلاديشي ليقول: ندرس اتخاذ قرار او تشريع قانون لتحديد النسل. انا لست ضد هذا القانون، لكن اجعلوه ثقافة ووعياً يتبعه الناس، ولا تقولوا عنه قانون، لأنكم بقولكم قانون سيخالفونكم وسيزيدون انتاجهم الولادي وفق قاعدة (كل ممنوع مرغوب)، ولكن ثقفوهم، ليكون هذا العمل نابعاً من ارادتهم لا مفروضا عليهم. فافهموا واني لأعلمُ انكم لا تفهمون.