ان الخط المنكوس يعمل على مدار الساعة و طوال السنين والعقود والحقب ، و بلا توقف على الحاق الضرر والاذى بالعراق والعراقيين الاصلاء ؛ وعلى الرغم من اختلاف الاعداء وخلافهم الا انهم وحدة واحدة فيما يخص اهدافهم المنكوسة تجاه العراق والاغلبية العراقية وباقي مكونات الامة العراقية الاصيلة ؛ فهم مشغولون بالتخطيط لهزيمة العراق والعراقيين ونهب خيراتهم وثرواتهم .
ومن المؤكد ان تلك الحقائق لا تندرج ضمن التصورات الساذجة او معطيات المبالغة والغلو في نظرية المؤامرة واخواتها , فها هو التاريخ والواقع مليء بالشواهد والبراهين الدامغة والتي تؤكد ما ذهبنا اليه انفا .
ان الاحتلالات الاجنبية والاعراب والفئة الهجينة وعملاء القوى الاستعمارية والمخابرات الدولية والجواسيس والمؤسسة الدينية المنكوسة و( غمان وثولان ) ومرتزقة الاغلبية العراقية واشرار دول الجوار على كل ما بينهم من اختلافات ورؤى وصراعات ؛ يجمعهم عامل واحد مشترك : أنهم منكوسون , وعليه يجب التعامل معهم كشخصية واحدة شريرة لا تتجزأ .
منذ فجر التاريخ وصهيل خيول الغزاة وشتائمهم وصخبهم لا يكاد يفارق مسامعنا ؛ فنحن مستهدفون دوما , وقد دفع اسلافنا من أرواحهم ودمائهم الثّمنَ الباهظ في مواجهة قوى الخط المنكوس , ولعل اخطر ما خلفه الاعداء في بلادنا واسوء ما تركه الاحتلال الاجنبي فينا ؛ ولاسيما الاحتلال المغولي والعثماني والانكليزي , بقايا من شراذمهم الحاقدة ومرتزقتهم المجرمة ورعاياهم الدخلاء والغرباء , وقد بُلي العراقيون الاصلاء بهؤلاء الدخلاء و الغرباء و العملاء – وايما بلاء - ؛ فإن العراقيين الاصلاء لقوا ولا زالوا يَلقونَ من القتلِ والاضطهاد والتنكيل والاقصاء والتهميش والافقار والتجويع والطعن والشتم والتآمر ... من هؤلاء ما لا يَلقونهُ من باقي الأعداء المحتلين والاجانب والغرباء الخارجيين .
ولعل المثل الذي اطلقه احرار الامة العراقية ابان الصراع الايراني العثماني : ((بين العجم والروم بلوى ابتلينا )) يجسد البلاء الدائم الذي تعيشه الأغلبية العراقية والامة العراقية , و إن البلوى الرئيسة لم تكن لا من الأتراك العثمانيين ولا من الفرس الايرانيين فحسب ، فهما واضحان للعيان والتاريخ ، قوى اجنبية غاشمة تسعى للسيطرة والتوسع ونهب الثروات والخيرات والانتقاص من العراق والعراقيين الاصلاء ، وقد تستخدم في سبيل ذلك كل ما تستطيع من أفكار ومذاهب وتبدل لونها كالحرباء كلما احتاجت إلى ذلك، بل تكمن في رعايا العثمنة وبقايا العجم ايضا , فهؤلاء الدخلاء والغرباء طالما تعاونوا مع الايراني والعثماني ضد العراق والعراقيين الاصلاء بل اصبحوا اداة طيعة بيد الاستعمار والمخابرات الدولية , فلا تستغرب عندما يطبل هؤلاء الغرباء - من ذوي الاصول الاجنبية وغير العراقية – لكل الاعداء او يساعدوهم على احتلال البلاد ونهب خيراتها وثرواتها ... فهؤلاء هم من ابتلي بهم العراق والعراقيين الاصلاء ، وهؤلاء ما زالوا لغاية يومنا هذا على شكل شخصيات أو مؤسسات دينية او جماعات او فئات او ابواق واقلام منكوسة تعرقل كل اصلاح او نهوض او تنمية او تطور مرتقب , وتعمل جاهدة على اجهاض مشاريع تأصيل هوية الامة العراقية والنهوض بها من جديد لتسابق الزمن وتعود الى امجادها التليدة . لذلك لا تستغرب من تفرد العجم بالقرار من المحسوبين على الاغلبية العراقية الاصيلة او استحواذ الفئة الهجينة على مقدرات الدولة من المحسوبين على ابناء السنة الاصلاء من احفاد الامام ابي حنيفة العراقي الاصيل ؛ والعجب ان الجامع بين هاتين الفئتين هو بغض وكره الاغلبية العراقية ولاسيما سكان الجنوب والوسط ؛ وان دل هذا على شيء فإنما يدل على ان الطرفين غرباء ودخلاء , وكما قيل قديما : ما حن دخيل على اصيل , وما حن اعجمي على عربي قط ... ؛ ولهذا ترى هاتين الفئتين تستعينا بكل الجهات الخارجية والاجنبية على العراقيين الاصلاء وتتواطأ مع مختلف الاعداء من اجل الحصول على الغنائم , فالعراق بالنسبة لهم مجرد بقرة حلوب ليس الا , فهذه الارض ليست ارضهم ولا موطن اسلافهم .
وهؤلاء الغرباء والدخلاء على مرّ التاريخ العراقي إما كانوا هم أصحاب المشاكل والقلاقل والازمات وإما كانوا السبب الرئيس في اندلاعها ، ناهيك عن ارتباطاتهم المشبوهة بالأجنبي تحت ذريعة الدين والمذهب تارة او العروبة والقومية العربية تارة اخرى او الحداثة والعلمنة ثالثة .
من كل هذا الركام الاسود والتحديات الكبيرة , ومن جحيم كل هذه المؤامرات ؛ ينبغي النهوض واستنهاض الجماهير العراقية العزيزة حتى نواجه الازمات والانتكاسات والاختناقات التاريخية والتحديات المعاصرة ؛ من خلال امتلاك السبل القويمة والطرق القيمة والاسس العلمية للمواجهة الناجحة .
فبالرغم من كل التضحيات والخسائر التاريخية التي تكبدانها , وقرون الكفاح والجهاد التي خضناها بدءا من الاحتلالات القديمة مرورا بالحجاج وصولا الى صدام - اذ عشنا آلاما يسوعية وهموما علوية واحزان حسينية - ؛ لم نستفد من الاخطاء ولم نخرج بخطة عمل وطنية سليمة , واغفلنا كل ما مر بنا من دون الاستفادة من الدروس التاريخية, وهربنا من ذكرياتنا وتاريخنا المؤلم نحو الامام , مما عرضنا للوقوع في نفس الخطأ ؛ فذاكرتنا مخرومة ومثقوبة لا تلبث بها المعلومات طويلا ؛ لذا ينبغي الاحتفاظ بالتاريخ كي لا ننسى الدروس والعبر, وقد ورد في المأثور العراقي الحضاري : ( المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ) واجهل الجهال من عثر بالحجر مرتين .
آن الاوان لنعمل , ونغير , ونبني ما تهدم , ونصلح ما أفسده الدهر, ونرمم ما خربه الطغاة والاعداء.
لنكف عن الطعن , ونقلع عن التنابز بالألقاب , والتناحر والتقاتل فيما بيننا , لنترك التعصب الاعمى , والتصريحات الجوفاء التي لاتسمن ولا تغني من جوع .
فالمأساة العراقية المستعصية لا تحل الا من خلال الانسجام والتواصل الحضاري بين كافة أطياف العراق وايجاد الهوية الوطنية الحقيقية , و البحث والتنقيب عن القواسم المشتركة فيما بيننا , ومن ثم التأكيد على المشتركات الانسانية بين ابناء الامة العراقية المتحضرة - وعلى الرغم من كل الاختلافات والفوارق - ؛ لان هذه المشتركات الحضارية هي البداية والمنطلق للسير في طريق وحدة وترابط الامة العراقية وبناء مجدها الحضاري الذي يليق بتراثها التليد .
فلنعمل ونتغلب على مشاكل العمل نفسه فما من عمل يخلو من صعاب , فطريق الاصلاح طريق ذات الشوكة انه درب معبد بالأشواك والفخاخ , لذا واجه وسيواجه المصلحون الاحرار في العراق العقبات والافتراءات وسهام الاعداء وسيوف الاخوة الجهال ؛ فإصلاح الاوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية الفاسدة ... لا يمر من دون دفع ضريبة باهظة الثمن ؛ وذلك من خلال تكالب اعداء الخارج ودخلاء وعملاء الداخل على المصلحين والثوريين العراقيين .
مما أدى الى خلو الساحة العراقية من الحركات الاصلاحية الوطنية الحقيقية وذات الجذور العراقية العريقة , فكأنه البلد الوحيد في العالم الذي لا يجتمع كافة ابنائه على هدف واحد حتى لو كان الهدف نبيلا وساميا ؛ لانهم اتفقوا على ان لا يتفقوا او اريد لهم ذلك .
نحن اليوم بأمس الحاجة ( لعرقنة ) كافة مجالات ونواحي ومؤسسات المجتمع العراقي ؛ فكل شيء من أجل العراق وهو للعراقيين الاصلاء كافة و بلا استثناء , حاجتنا ( للعرقنة ) اليوم أهم كثيرا من العلمنة او العولمة او الاسلمة او الخصخصة ... الخ ؛ لان حجر الاساس هو بناء الهوية الوطنية الحقيقية الجامعة وتحقيق انسجام العراقيين بكافة اطيافهم والوانهم , و العمل على استقلال وسيادة العراق و وحدته قبل كل شيء ؛ ومن ثم استرجاع كافة اراضيه وحقوقه المسلوبة والمنهوبة .
# رياض سعد