-قبل عامين من الآن – أصابني ذات يوم هم وقلق وحزن شديد بعد خروجي من أحد الاختبارات النهائية بالسنة التحضيرية في جامعة الملك سعود أثر عدم أدائي الجيد بالاختبار وخوفي من أن ذلك سوف يؤثر على معدلي واحتمالية عدم قبولي في التخصص الذي كنت أرغب به ،كنت غضبانا جدا لدرجة السخط ،ركبت السيارة وكنتُ أقود عائدا إلى المنزل بسرعة جنونية مما أدت تلك القيادة المتهورة إلى انحراف السيارة عن مسارها في أحد المنحنيات الخطيرة أدى ذلك إلى تقلب السيارة أربع مرات ، وفي تلك اللحظات القصيرة ، شاهدت شريط حياتي يمر بسرعة توقعت حينها أنني سوف أموت ، لكن أنقذني عسكري بسيارة مدنية كان قريب من موقع الحادثة ، أخرجني من السيارة ،سألني هل أنت بخير ؟ هل تسمعني ؟ ،لم أستطع حينها الجواب لأنني كنت في حالة إغماء ، كنت اسمعه وأحس به ولكنني لا أستطيع الرد عليه ، كانت أشبه بحالة هذيان ، كنت أقول لنفسي لماذا لا أستطيع أن أرد عليه ؟ !هل أنا فعلا ميت ؟ !هل سوف تنتهي حياتي بهذا الشكل ؟! استيقظت بعدها وأنا بالمستشفى وعلي تلك الأجهزة وأهلي من حولي ، كنت اسمع أصوات بكاء أمي وأخوتي ، أحزنني ذلك الأمر كثيرا وتمنيت فعلا لو مت ولم أشاهد ذلك الأمر ، بعد فترة وجيزة خرجتٌ من المستشفى بكامل صحتي وعافيتي – الحمد الله – وقفت حينها أمام المرآة ، رأيت نفسي كالرجل المهزوم ، فاقد الثقة ، مضطرب ، قلق على مستقبلي ، وجهي كان شاحبا ، وكأن من يراني يعتقد أنني في الثلاثين من عمري وليس ابن الثامنة عشر ، شعرت بأن شعري بدأ يتساقط وكثُرَ فيه الشيب , قلت في نفسي : ماذا فعلت في نفسك يا رياض ؟!
قررت حينها ان أتحلى بالشجاعة والثقة وأن اتغير واتخلص من قلقي وتوتري ومن ذلك الخوف الذي كاد أن يسطر علي ,وها أنا بعد مضي عامين أتذكر ذلك اليوم بعد ما أن حققت الكثير من الإنجازات على الصعيد الفكري والشخصي ، أضحك وأقول : الحمد لله الذي قدر هذا الأمر ليحدث كل هذا التغيير !
أن أكثر ما يقلق الإنسان ويخرجه عن طوره هو إحدى أمرين : أما ان لا يحصل الانسان على ما يريد ، أو يحصل عليه دون الاستمتاع به لكون تلك الصورة التي كنا نتخيلها قبل حصولنا عليه كانت أبهى من الواقع .
الإنسان بطبيعة الحال يبحث دائما عن المزيد في هذه الدينا ، المزيد من المال ، المزيد من المناصب ، المزيد من السعادة والنجاحات وهذا ما يجعله يقوم بمقارنات خاطئة ولا معنى لها بينه وبين الآخرين مما يشعره بالعجز والنقص أحيانا .
في حين أن للإنسان احتياجات رئيسية وفي حال نقص إحداها سيتولد لديه شعور بالتعاسة ومن ضمن تلك الاحتياجات: ضمان البقاء على قيد الحياة ،تبادل الحب ، التقدير ، الانتماء إما( لدين ، لوطن ، لقوم ..) ، استقلال الشخصية ، الانجاز وغيرها .فالقلق حالة توتر شاملة ومستمرة ، نتيجة توقع تهديد خطر فعلي أو احتمالي يصاحبه خوف غامض وأعراض جسمية ونفسية .
أن 70%من همومنا التي تحول دون سعادتنا سببها الأول والرئيسي هو المال ، وليست زيادة المال سببا للسعادة لدى معظم الناس ، فزيادة الدخل لا ينتج عنها إلا زيادة الإنفاق وزيادة الصراع والصداع والهموم ورأيت ذلك يحدث ، فان ثلث الضرائب التي يدفعها الشعب السويدي تنفقها الدولة في التأمينات الاجتماعية ،وتدفع الدولة 80% منها مساعدات نقدية ، بل إن أضخم ميزانية هي ميزانية وزارة الشئون الاجتماعية ولكن مع كل هذه الضمانات التي لم تدع ثغرة الا سدتها سوف تجد منهم من يعيش حياة مضطربة قلقة كلها ضيق وتوتر وشكوى وتسخط ونتيجة هذا الأمر يلجأ معظم الناس من هذه الحياة الشقية النكدة المليئة بالهموم إلى الانتحار تخلصا مما يعانونه من عذاب نفسي أليم .ويرجع ذلك الأمر إلى عدم الإيمان وعدم الرضا بقضاء الله وقدره والسخط والتجزع على أقداره .
فكثرة المال ليس سببا للسعادة أو الراحة النفسية ولا حتى العنصر الأول في تحقيقها بل أن كثرة المال تكون أحيانا وبالا على صاحبها في الدينا والآخرة .
فالتوتر يقلل من إنتاجية الفرد ويفقده التركيز والثقة في النفس وعدم تقدير الذات وذلك لعدة اسباب منها: أفكار مكبوتة منذ الصغر كآلام وفشل الماضي والخوف من المستقبل ،كالرغبات والاحلام من جمال المظهر ومحبة الآخرين والشهرة والخ .
وتختلف أعراض التوتر من شخص لآخر بحسب قدرة الشخص على التعامل مع الموقف الذي نجم عنه التوتر ،ولتجنب ذلك التوتر : عليك بالراحة والاسترخاء وعدم إجهاد نفسك بما لا تستطيع تحمله مع علمك أن ما يخطئك لم يكن ليصيبك ، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وهذا لا يعني أن تستلم للأمر الواقع بل عليك أن تحاول أكثر حتى تصل إلى ما تريد فلعل هناك محاولة تصيب معك ويكتب الله لك فيها ما تريد , وتذكر أن الله لا يضيع أجر المحسنين !.
فالإنسان اليوم بحاجة إلى ما يرضي عقله ويشبع روحه ويعيد ثقته بنفسه ,وطمأنينته التي بدأ يفقدها في زحمة الحياة المادية المليئة بكل أنواع الصراع , ولكي تحقق ذلك عليك أن تجد الهدف من بقائك على قيد الحياة ، وما هي رسالتك التي تود أن تكرس حياتك من أجلها ؟ وما هي تلك القيم العليا التي تسعى إليها ؟ عليك بالرضا والحب والتسامح والعفو التام والاخلاص لله عزوجل وجل لقول الله تعالى :(( من عمل صالحا من ذكر أو أثنى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )) (النحل :97)
يقول الكاتب المعروف برتر اندرسل : “لا توجد مشكلة تستعصي علي حلها ، وسوف أتغلب على أي مشكلة بالصبر والحلم والاتزان والتعقل ، لحظات من الخلوة والتأمل تحقق لي الهدوء والتوازن والتركيز ، وتدفع في نفسي قوة هائلة لمواصلة الطريق ..”
أنت أيها الإنسان عدو نفسك ، عدو لذاتك ،أنت من تجعل المشكلة وقودك أو تقودك