يعيش ملايين من البشر حياة الوسطية ، أو العجز ، أو القصور بكافة صورها حيث يفشلون في إشباع عقولهم بأفكار التناغم ، والسلام ، والطمأنينة ، والرضا، والأمان والسلوك القويم ،تأملت أحوال الأخرين من حولي فوجدت منهم السعيد والشقي ، الغني والفقير ، المحمود و المذموم  تساءلت كثيرا ماذا لو سوى الله بين الخلق ؟ لماذا جعل أحوال ابن آدم مختلفة ؟ ما الغاية من هذه الحياة الدينا ؟ ماهي السنن التي أوجبها الله على بني آدم لكي يحصل على هذه الدينا  ؟ هل تعد حياتنا  اختباراَ  لنا في الدينا قبل الآخرة ؟ بحثت طويلا لكي أحصل على إجابة ، وكتبت هذا المقال لأشارككم تفاصيل هذه الإجابة.

ورد في الحديث القدسي : (أن آدم-عليه السلام- لما نشر الله له ذريته رأى الغني والفقير وحسن الصورة، ورأى الصحيح على هيئته والمبتلى على هيئته، ورأى الأنبياء على هيئتهم مثل السرج، قال: يا رب ألا سويت بين عبادك؟ قال الله عزوجل: يا آدم إني أحب أن أشكر).

فإن الله الذي تتضرع إليه يحب أن تقبل عليه وأن تشكره على نعمه وتحمده على مصائبه  فقد وهبك الله كل شيء بالفعل ،فما أنت في هذا العالم إلا أن تؤكد حقيقة فكرتك أو رغبتك أو حتى هدفك بعبادة الله وتوحيده ورضاه فكن متقينا جيداً ، فإن نعم الله وعطاياه قد مٌنحت لك منذ بدء الخليقة . فلا يمكنك الحصول على شيء ما دون مقابل والثمن الذي تدفعه هو الإيمان ، عليك أن تؤمن بحكمة الله اللامحدودة وأن تؤمن بالقدرات اللامحدودة التي بداخلك فقد ورد أيضا في الحديث القدسي :

إن الله عزوجل يقول :( وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لا يَصْلُحُ لَهُ إِلا الْغِنَى ، وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لا يَصْلُحُ لَهُ إِلا الْفَقْرُ ، وَلَوْ بَسَطْتُ لَهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ )

فالله يريد منا أن لا نكترث للحال الذي أوجدنا عليه ، وأن ليس علينا  إلا دعائه والإيمان به وعلينا جاهدين أن نسعى لكي نغير من الحال الذي وجدنا به ،فنحن فعلا لا نختار أقدارنا، ولا حتى آبائنا ؟ فيريد الله من ذلك الفقير أن يسعى لطلب رزقه ، ويريد من ذلك الغني أن يشكر نعمته ، ويريد من ذلك الإنسان الذي ابتلاه الله بمرض أن يعلم أن الذي أوجد المرض قادر على أن يشفيه ، ويريد من تلك المرأة التي انفصلت عن زوجها وفقدت ابنائها أن تعلم بأن الله قادر على أن يسعدها وأن يبدلها خيرا مما فقدته ، يريد الله منا أن نطلب منه وحده وأن نستعين به في أمورنا كلها فليس الإيمان ما تنطق به شفتاك بل هو الاعتقاد الكامل في أعماق قلبك بوجود الله القادر على خلقك، العالم بكل عمليات ووظائف جسمك.

والاعتقاد بأنك عندما تسلم له أمرك سوف تتحقق تلك النتائج التي تريدها وسوف يتغير حالك ، ويتضح حقيقة إيماننا في توجيه الله وهدايته لنا في الحب والتناغم ،في الفطرة التي فطرها الله على سائر خلقه

وفي دراسة أجراها باحث أوربي على 10 ألف فقير ، وجد من بينهم ألف غني من أبنائهم !! ( ولا يظلم ربك أحداً) .

 فالله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي :

(يا ابن آدم ما أنصفتني ،تذكرني وتنساني، وتدعو إلي وتفر مني)

فيجب أن يتولى كل تركيزك في دعائك لله لايمانك به وبقدراته المطلقة. نحن البشر نهرب من أقدار الله إلى أقدار الله ، فأين المفر؟!

وفي حديث أدهشني متناقل عن كتب بني اسرائيل (التوراة ) يقول الله عز وجل : ( يا آبن ادم خلقتك للعبادة فلا تلعب ، وقسمت لك رزقك فلا تتعب، فإن رضيت بما قسمته لك أرحت قلبك وبدنك ، وكنت عندي محموداَ وإن لم ترضى بما قسمته لك فبعزتي وجلالي لأسلطن الدينا تركض فيها ركض الوحوش في البرية ، ثم لا يكون لك فيها إلا ما قسمته لك ، وكنت عندي مذموماً)

فتقرب إلى الله ، وتوجه إليه في أي وقت تشعر فيه بالضعف أو العجز أو المصيبة ، فأن الله هو الخالق وهو محيى كل الأشياء .

يقول الإمام علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – الرزق نوعان :

رزق يطلبك ورزق أنت تطلبه ، فأما الذي يطلبك فسوف يأتيك ولو على ضعفك ، وأما الذي تطلبه فلن يأتيك إلا بسعيك وهو أيضا من رزقك

فالأول فضل من الله ، والثاني عدل من الله !!

وشاهد لطف الله ورحمته في قوله ( فإنك بأعيننا ) ( وحنانا من لدنا )
( ولتصنع على عيني ) ، فكيف تشعر وأنت تقرأها ؟

الله لا يريد الشقاء لعباده بل أوجدنا في هذه الحياة الدينا لعبادته ولكي نحظى بنعيم الدينا قبل الآخرة .

وفي عبارة لا أعجز عن ترديدها ،يقول المفكر الإسلامي د. أحمد خيري العمري :((الله لا يقول لنا أبدا إن العالم مكان جيد ، لكن أنت اسألني سؤالا آخر .. قل لي لِمَ لم  يجعله هو أفضل ؟ لأن الله جعل هذا الأمر هو امتحاننا ، فقبل ما يكون هنالك اختباراً في الدنيا للآخرة يوجد هنالك اختباراً في الدنيا للدنيا وهو جعل إصلاح العالم الاختبار الذي علينا أن نجتازه

الله لا يزيف لنا الواقع كي يجعلنا نرضى به ، بل إنه يجعل من إعادة بنائه هي المهمة التي كلفنا بها ))

وختاما : لا تٌضيع فرصة محبة الله لك ، بل أرضى بما قسمه لك وأسعى لكي تنال الرزق الذي تطلبه فهومن رزقك وهو أيضا عدلٌ من الله !