ويضيق صدري ولا ينطلق لساني لكن ليس هنالك من عونٍ  كهارون يشد عضدي يا ربي .. 

لأول مرة في حياتي أكُسر هكذا .. ليس على حبيبة ولا على علم ولا على شيء آخر ... 

لكنني سُلبت أعز ما ملكته في حياتي ومطالب بالمضي وكأن شيئًا لم يحدث !!

مصابي تعلمه وحدك يا إلهي .. عشت وفيًا لأكثر من أحببته حين كنت طفلاً .. هي أيضًا فارقت الحياة قبل بدايتها

فعرفت كيف تنتهي الحياة قبل أن تبدأ .. لا أدرى لكنني لم أحب مثلها في حياتي ولا أستطيع فعل ذلك حاولت التحرر منها ففشلت وفشلت وسأفشل .. لهم الامر يبدو سخيفًا لكن محياها لم يفارق خلدي طوال حياتي ..

ذلك الوجه البرئ الذي اختزلت فيه كل معاني الحب والبراءة ... كليًا لم أرَ غير ذلك الوجه المضيء والجميل لقد أسرني عن سواه .. لدرجة أنني لم أعرف زملائي لانشغالي واقتصاري عليه فقط ..

أذكر ذلك الوالد - الذي توفي أيَضًا - يدخل عليَ ليوصيني بها من كل شر .. بين الحين والآخر يدخل ليختارني من بين الجميع أخًا لها .. كان يحمر وجهي وأنا أنظر إليها فتبتسم ناظرة إليَ بخجل وحنو .. 

أحببت اسمي لأنه كان يلفظ من حلقها .. حين تناديني في ضحك لافظة حروف الميم ثم الحاء والميم ثم الدال كانت تبعثر كيان ذلك الطفل العاشق .. لا أتذكر كلمة مني فقط كلماتها وحيويتها ونبوغها .. لم نكن طفلين شغلهما الشاغل هو السكاكر والدُمى .. كنا أكثر من ذلك بكثير كنا عجوزين في هيئة طفلين .. 

لن يصدق أحدٌ تلك القصة .. فالكل يعد ذلك دربًا من الخيال ولكن إن كان دربًا من الخيال فلما إلى الآن لا أنسى وجهها ؟! لما إلى الآن أتذكر كل كلمة منها ؟! بل لما إلى الآن لم أحب فتاة مثلهها ؟ حتى إن أجبرت نفسي !

حتى اسمها كان على مسمى تجتمع به كل الفتيات ولا يعوضها اجتماعهن جميعًا ..

أذكر تلك الليلة السوداء حين كنت أشاهد فيلمًا للثعابين السوداء في رحلة نهرية .. دخل والدي مهمومًا في وقتٍ متأخر على غير العادة .. وجهه ملبد بالغيوم التي أراها لأول مرة وبدأ في شرح حالة لغرق شنيع لابنة زميله وأمي تسمعه منهمكةً في البكاء الحار .. !

’’ ماتت ’’ وماذا تعني تلك الكلمة ؟! .. لا بأس عندما أراها مجددًا سأسألها وبالطبع ستجيبني .. لكنني شعرت بقبضة صدر جعلتني أشعر بغرابة أن هناك شيئًا ما مريبًا في الأمر ! حزنت حينها وجعلت أحرك ساقي بشكل سريع .. نفسي لم أفهمه ..

نعود إلى الدراسة مجددًا .. أقلب وجوه الجميع فلا أراها ! .. وجوه الفتيات لا تمت لها بصلة .. فبحثت عنها في داخلهن .. حينها عرفت زملائي لأول مرة .. اقتربت من الجميع لم أجد لها أثرًا ! حينها بدأت أستوعب ما هو الموت ...

وحتى الآن تظل من أحببت وسأحب بكل صدق .. أنتظر شيئًا لن يحدث ولكن ليس لي بديل سوى الانتظار حتى لو للاشيء .. سأنتظر وسأصون ذكراك ..