المقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد النبيين وخاتم المرسلين ورحمة الله للعالمين سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وبعد:
ترانيم الهجر هو عنوان الكتاب محل الدراسة في هذا البحث وهو ديوان شعر جمع بين قصائد الشعر العمودي باللغة الفصيحة وبين قصائد الشعر الحر باللغة الفصيحة أيضاً وصاحب هذا الديوان هو الأستاذ الدكتور/ محمد دياب غزاوي -رئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة الفيوم- وهو ديوان يتناول الأحوال المختلفة للعاشق من فرح بالوصال وحزنٍ على الهجر وترفع عن ذل المحبوب....الخ كما لم يغفل الديوان تناول قضايا الفساد المستشري في المجتمع.
مفهوم الأسلوبية:
إن المنهج الأسلوبي في النقد الأدبي من المناهج التي يطلق عليها النقاد مناهج ما بعد الحداثية أو مناهج ما بعد البنيوية وهو منهج يعده النقاد الوريث الشرعي للبلاغة العربية القديمة المتمثلة في علم المعاني وعلم البيان وعلم البديع ولذا أطلق عليه البعض اسم البلاغة الحديثة وهو منهج يدرس النص الأدبي ويحلله على عدة مستويات وهي (المستوى الصوتي أو الموسيقي – المستوي الصرفي – المستوى النحوي – المستوى البلاغي – المستوى الدلالي).
أولاً: المستوى النحوي
أ‌-الأفعال: الفعل الماضي:
لقد تعارف علماء اللغة على أن الجملة الفعلية هي التي تشتمل فعلاً أو تبدأ بفعل والفعل هو الذي يدل على حدوث شئ مقترنا بزمان فإذا كان قبل زمان التكلم كان الفعل ماضياً وإذا كان في نفس زمان التكلم يكون الفعل مضارعاً وإذا كان بعد زمان التكلم يكون الفعل أمراً.
وقد تنوعت الأفعال بأنواعها في هذا الديوان كانت الغلبة لفعل الماضي في بعض القصائد وللمضارع أو الأمر في البعض الآخر وذلك يختلف باختلاف الغرض الذي أنشأت القصيدة من أجله وكان لكل نوع من الأفعال دلالاته الخاصة في كل قصيدة نتناولها بشئ من التفصيل.
وقد جاء الفعل الماضي في الديوان بدلالات متقاربة في المعنى:
الحزن والشقاء: في قصيدة (عودي) نجده يدل على حالة الشقاء التي ألمت بالشاعر بعد فراق محبوبته وتوسل هذا العاشق الوله لهذه الحبيبة من أجل أن تعيد الوصال بينهما فنجده يقول:
يا منية الروح عودي فالحياة ضنى * والقلب مني شقي تائه وفنا
الغوث أنتِ فعودي اليأس يقتلني * والجدب حاصرني والخصب منه نأى
فنجد الفعل (فنا) يدل على حالة التيه وعدم الشعور بالحياة بعد فراق الحبيب فكان مصير القلب الفناء وهو حي ولكنها حياة لا معنى لها بعد فراق الحبيب والفعل (حاصرني – نأى) كل منهما يدل على حالة خراب القلب بسبب هذا الفراق وبالتالي فلا نجاء ولا حياة لهذا القلب إلا بوصل الحبيب.
اليأس والأسى: من دلالات الفعل الماضي في الديوان حالة اليأس بسبب توالي الهموم والأحزان واستشراء الشرور والفساد في المجتمع بين الناس مما يوجب الحزن والأسى والشعور بالوحدة فنرى الشاعر يقول في قصيدة (عيد التعاسة):
عيد بأي حال عدت يا عيد * بما مضى أم بأمر فيك تنكيد
ففي مخاطبة الشاعر للعيد نجد الفعل الماضي (عدت – مضى) يدلنا على أن الهموم التي يأسف بسببها الشاعر لها جذور قديمة لذا هل أتى العيد هذا العام بهموم قديمة أم بهموم جديدة؟
ونجد الشاعر يخبرنا أنه لا جديد فقد حاصرته الهموم والأحزان واستشرى الشر والفساد فنجده يقول:
الهم حاصرني والغم راودني * والآه في القلب تأسى دونها البيد
والقبح في اللوحة العذراء نظهره * والخير أمسى غريبا وهو منكود
والكل يبغى فساداً في أكنته * عم الظلام وما تفنى العناقيد
ففي هذه الأبيات نجد الأفعال (حاصرني – روادني – أمسى – عمَّ) كلها تدل بشكلٍ صريح على مدى تأسف الشاعر من الحال الواقع في المجتمع بين الناس من شرور وفساد وانعدام لألوان الخير.
الغزل: من الدلالات التي أتى الفعل الماضي بها في الديوان الغزل ففي قصيدة (ربة الشعر) نجد الشاعر يغازل محبوبته ويعدد صفات جمالها باستخدام الفعل الماضي ليدل على أن هذه الصفات قديمة متأصلة فيها وأنه لم يمدحها بما ليس فيها فنجده يقول:
من غير حبك ضاع الشعر من شفتي * أنتِ القوافي أتت تترى وترضيني
فالشاعر يزعم لمحبوبته مغازلاً إياها أنها هي مصدر إلهامه فبسببها صار ينظم الشعر فنجد الأفعال (أتت – تترى) تدل على ذلك فبدون محبة الشاعر لها لم يكن لينظم الشعر ويؤكد هذه المعاني قوله أيضاً:
فهمت أنظم في غصنٍ وفي ثمرٍ * وفي الرضاب الذي بالعذب يسقيني
غزلت من حسنها كل النسيب وما * تركت في دلها عطراً بدارينِ
فنجد الأفعال (هِمتُ – غزلت – تركت) دلالة على أن هذه المعشوقة هي مصدر إلهام الشاعر لنظم الشعر غزلاً فيها لدرجة أن الشاعر من حسن معشوقته لم يترك نسيباً لم يقله نظماً في حبها.
الرثاء: والرثاء في هذا الديوان لم يكن مقتصراً على رثاء من ماتوا بل شمل أيضاً رثاء الأحوال والأيام والمشاعر الطيب نجد ذلك في قصيدة (مرثيةٌ على أعتاب البُعدِ) فنجد الشاعر يقول:
بعد الحبيب أثار لي وجداني * وبغصةٍ قد هد كل كياني
ما كنت أدري أنني بك هائمٌ * حتى ترائى الظبي بالهجران
وبكيت دمعاً ساخناً لا أرعوي * من جائلٍ أو قائم الأركان
وحبوتك الروح التي في أضلعي * وفدتك كل معالم ومغاني
فنجد الأفعال (بَعُدَ – أثار – هدَّ – ترائى – بكيتُ – حبوتك – فدتك) كلها تدل على مقدار حزن الشاعر على معشوقه الذي قد تركه وولى فكان كأنه قد مات لأن الموت هنا موت العشق والأيام الطيبة التي كانت بينهما فصار بعد الحبيب الذي أثار وجد الشاعر داعياً لأن يوقم برثاء تلك الأيام التي ترائى فيها الهجر وكثرت فيها الدموع على حبيب قد حباه الشاعر روحه التي بين جنبيه ولكنه ولى وبَعُد.
نعي الوحدة: يبلغ الإنسان في مرحلة ما أقصى درجات الوحدة والحزن وذلك عند الخزلان ممن كان يظنهم الإنسان مقربين من الأهل والأصدقاء والأحباب يعبر شاعرنا عن هذه المعاناة في قصيدته (وبقيت وحدي) ويستخدم الفعل الماضي ويقول:
وبيقت وحدي ههنا لما الجميع تقهقروا
أين الذين بحبهم قد فاخروا
لكنهم يا ويحهم لما عثرت تقهقروا
لكنهم لم يأبهوا بل غادروني في غيابات الطريق
تركوني في عرض الحريق
قالوا كلاماً مبهماً قد باح منهم من أباح
الأفعال (بقيت – تقهقروا – فاخروا – عثرت – يأبهوا – غادروني – تركوني – قالوا – باح – أباح) كلها أفعال ماضية أراد الشاعر من خلالها أن يصف لنا المراحل والأسباب التي أدت إلى الحالة التي هو فيها الآن فقد تراجع الجميع عن مساندته وكانوا من قبل في أيام مجده مجتمعون فلما أن عثر تركوه ولم يأبهوا لصيحاته بهم أن يأخذوا بيديه وخاضوا في حقه فبئس الأعوان والأحباب والإخوان هم.