بما أن الكثيرين من الشباب السعودي الذين دخلوا معترك التأليف  كما أنا فرد منهم أخذتنا الرواية في الخمس سنوات الأخيرة لأن تكون عنوان رئيس من كمية الانتاج الأدبي السعودي والسؤال الدائم ممن يتطلع لأن يخوض هذا المعترك، كيف أقوم بتأليف رواية؟

وبما أنه صدر قرار جميل بإنشاء هيئة مستقلة للثقافة سألغي السؤال وأستبدله بسؤال مُستقبلي لهيئة الثقافة السعودية، إذا شاء الله كيف نقوم بتأليف رواية عن ماضي "شايفنا هنود!!"

*****

بذرة: المستقبل يحتاج للماضي كمُعلم وللحاضر كقائد

ونبدأ..

عندما يعتريك الفراغ لا تبحث عن وسيلة ما لتحلم فالأحلام لا تحتاج منك جهداً يستنزف عقلك، لأن الأحلام كالماء تنساب حيناً في أمكنة لا تتوقع أن تمر فيها وأحياناً تجدها راكدة في أمكنة لا تتوقع أن تكون فيها.

صدقاً دع كل ما يشغلك لملء هذا الفراغ، لماذا؟

لأنك لو دققت النظر في فراغك لعلمت أنه فراغ يمثل طاقة سلبية تراكمت عبر فترات متعاقبة من النشاط، أذكر ذلك  لأنه يستحضرني أحد الكُتاب الشبكيين العنكبوتيين وهذا المصطلح أستمده مما يُسمى الشبكة العنكبوتية واختصارا بالإنترنت مع بدايات ظهوره في السعودية، كان مُحملاً بآمال وتطلعات وأحلام وهو يستكشف هذا الفضاء الافتراضي الواسع.

مرَّ عليه في تلك البدايات تصورات وأفكار وأراء متشددة حيناً ومتساهلة حيناً فلا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، تتقاذف سفينته رياح عاتية، لم يجد شاطئاً يستطيع معه وعنده الرسو لأنه لم يرغب بذلك إلا وهو على يقين من صلاحية طبيعة تضاريس الملاحة الآمنة فيه.

كان منقذه بعد الله في عدم تقبله للا منطق في جوانب من تلك الرياح العاتية من المدارس الفكرية والآراء الثقافية والصراعات والتحزبات للتيارات التي تتطحن على المجتمع تارة باسم الدين وتارة باسم الحداثة وما يلف لفيفهم أجمعين بطريقة وأُخرى كان منقذه كما أسلفت بعد الله سنوات طويلة قضاها بين جنبات مكتبته الخاصة.

ما قبل ظهور الشبكة العنكبوتية كان عقلاً جامحاً قارئاً نهماً لمختلف أصناف الكتب والمجلات والجرائد وكل ما يقع أمام ناظريه له محتوى يُقرأ لا حدود يمكن أن يقف عندها فعقله ببساطة جائع كمن أُبتلي بالبِطنة "البِطنة تُطلق على صاحب الكرش الكبيرة الذي لا يشبع من الأكل".

لم يكن متوفراً قبل ظهور الشبكة العنكبوتية منصات يُمكن له بها ولمن هُم مثله تبادل الأفكار والخوض في نقاشات عامة وخاصة ومتخصصة يُمكن معها خلق حالة ثقافية واسعة يستطيع معها كتابة الثقافة السعودية كما هي مجردة من كُل أنواع المديح والطعن، بحسب رأيه كان الأمر مقتصراً في المشهد الثقافي والأدبي على مجموعة من أبناء الوطن أقرب ما يكون تصدرهم للمشهد كنادٍ ذي طابع نخبوي لكنه لا يستغني عن الشعبية متى ما كان يُلائمه أو متى ما كان هو بحاجة له، ورغم ذلك من باب الانصاف يرى أن هناك نسبة كبيرة منهم رغم عدم وجود نعمة الشبكة العنكبوتية "عمالقة" أثروا المكتبة السعودية بوجه خاص والمكتبة العربية بوجه عام لكن هل فعلاً يُمكن لشريحة من المجتمع أن تحكي واقع المجتمع قبل أن يكون هناك فرز حقيقي لكافة شرائح المجتمع يشترك في ذلك المجتمع بقضه وقضيضه من البحر للخليج ومن الحد الشمالي للحد الجنوبي كما نرى اليوم بعد ظهور الشبكة العنكبوتية؟

يُكمل طرحه..

كم رأينا من سقطات وهفوات متعمدة وغير متعمدة لشخصيات من نُخب الثقافة والأدب كما غيرهم من شخصيات المجتمع بشكل عام أمام مرأى المجتمع بأكمله وكم رأينا صعوداً صاروخياً لأُناس بسطاء من عامة المجتمع ثقافياً وأدبياً بعضهم يستحق وبعضهم الآخر لا يستحق حتى أدنى اهتمام لكن هي ضريبة الانفتاح في بدايته "تخلق حالة من عدم التوازن كما كُل شيء جديد أو شيء ينتقل من حالة لحالة"، نعم الشبكة العنكبوتية نعمة لُكل صاحب بصيرة يرى أنه لابد أن توضع الأشياء كما هي حتى ندعها تتحدث عن نفسها.

ويكمل..

ولأن السعودية كما يراها أهلها ذات خصوصية خاصة  هي أقرب للنظرة المقدسة  ذات الطابع الديني إلا أنها تحمل طابع التندر من غيرها ومشاهد ذلك في أحد أسهل الأدلة ما يُسترسل على الألسنة "شايفنا هنود!!" لذلك كانت الشبكة العنكبوتية الحل الجذري دون وعي يُمكن إدراكه في بدايات ظهورها لحل هذه المعضلة وهو ما نراه اليوم خاصة بعد ثورة مواقع التواصل الاجتماعي.

لا نكاد نرى شخصية عامة وشخصية من عامة المجتمع إلا وهو تحت مشرط المجتمع بأكمله وبهذا كما يرى أن الشخصية "الكاريزما" للثقافة السعودية فعلياً بدأت تتشكل للشكل النهائي لها وكم يأمل أن يكون لهيئة الثقافة السعودية الجديدة دور في ذلك عبر قرارات مُفعلة على أرض الواقع تتسم بالجرأة الموسومة بالإبداع الخلاق حتى يستطيع معها المجتمع "وهذا لُب الموضوع" السير نحو تغيير نظرته لرؤية حقيقة ذاته قبل أن يرى حقيقة ذات غيره، لأننا نعيش في بلد مجتمعه يملك تنوع لا يقول أنه ثري ولكن يتخطى هذا التصنيف ليكون مجتمع تنوعه حاد "أقرب توصيف لهذا التنوع الذهاب لأحد الأمكنة في الحجاز ورؤية جبلها و واديها وسهلها ستشاهد تنوع في ألوانها وهذا ما يمكن لنا أن نطلق عليه تنوع ثري لكن التنوع الحاد أن ترى صخور الجبل ألوانه مختلفة والوادي ألوان باطنه تختلف عن أطرافه وتربة السهل كُل بقعة منها لها لون فسبحان من صنع وأبدع في خلقه".

هذا التنوع المتعايش مع بعضه البعض له انعكاس مباشر وغير مباشر على ذهنية ونفسية المجتمع السعودي ويبقى السؤال المعلق كما طرحه..

من اختطف بساطتنا في تعاملنا مع تنوعنا الحاد فجعلنا نردد صغاراً وكباراً.. "شايفنا هنود!!"

هنا يتوقف فأكمل..

الحاجة للتغيير أسمى وأجدى من مطاردة أخطاء الماضي والمُضي قُدماً لأن العودة تعني هدر بعض الجُهد في المشاحنات ونحن بأمس الحاجة لهذا الجهد ليدفعنا للأمام خطوات.

"شايفنا هنود!!".. أليس من الممكن مستقبلاً أن يكون ذلك يا هيئة الثقافة السعودية الجديدة؟


جواب لعقول روائيين المستقبل ولي قبلهم..

اقرأ التاريخ ثم اقرأ تاريخ أعداء التاريخ ثم اقرأ نقد التاريخ ثم دوّن رأيك الموضوعي عن التاريخ وبعد..لا تكتب أول حرف من مشروعك الروائي إلا وأنت متيقن بأنك بدأت تسبح بمهارة عميقاً في خيالك وعاطفتك وجنونك وتعقلك في آن واحد..!


ثمرة:

إن أردتم فهو مقال وإن أردتم فهو قصة وإن أردتم فهو مسودة رواية!

#عارف_الحيسوني