آ
آيدن

مستقل جدًا في الفروع ، منحاز جدًا إلى الأصول ! صفحتي على الفيس : https://t.co/DqvtdACREM

مدة القراءة: 3 دقائق

لا فرِحْ ولا حزين !

ابتاع جدي – رحمه الله تعالى – في شبابه من تاجر قصيمي بضاعةً قد نسي أن يدفع له ثمنها !
ارتحل بعدها – أي جدي - على الجمال تلكم الفترة إلى محلة أخرى ، وفي المقابل سأل عنه التاجر القصيمي بعض من ظن أنهم يعرفوه أو قد رآهم يوماً يحادثوه بعد أن أهداهم أوصافه ، فكان جواب الجميع من معارف جدي أن قالوا : " ذلك الرجل نحن مكانه ، فأخبرنا - يا عم - كم تريد منه ؟ ونحن الآن سندفعه لك " ! فشكرهم هذا التاجر القصيمي لما سمع جوابهم ، ثم قال : " لا أطلبه شيئا " !
بعد ارتحال جدي – رحمه الله تعالى – بمسافة يوم تذكر نسيانه إيفاء هذا التاجر حقه ، فأخبر مرافقه بهذا ، فأشار عليه المرافق أن يؤجل سداده لحين رجوعهم ، فكره جدي ذلك ، وقال : المسافة بيننا لم تبعد ، وأخشى أن يفرق بيننا الموت ، ولذا سنعود غداً لإيفائه حقه !
من بعد الغد كان جدي في دكان هذا التاجر  الذي كان من قدامى العقيلات ، فصبّحه بالخير ، ثم دفع له ماله ، فما كان من جواب ذلك التاجر إلا أن قال : " بِعِذرَهم " !!
سأله جدي : من هم هؤلاء ؟ وما هو العذر ؟!
قال التاجر : هم أصيحاب لك ، ما أن وصفت أشباهك لهم إلا وتنادوا جميعاً غارمين عنك دينك ، فلما أن رأيتك الآن تعود بعد مسافة يوم لسداد مانسيته قلت : لهم العذر أن يكفلوك شخصاً ويغرموا عنك مالاً ، فمن هو في مثل سجاياك يستحق هذه الثقة !
يقول جدي : راقني هذا الشيخ الكبير بحديثه وثنائه ، فجلست إليه ، آخذ منه أخباراً وأعطيه خبراً ، فكان مما كان أن قصّ عليّ طرفاً من أمره وشأنه ، فقال :
كنت شريكاً لأخ يكبرني ، نرحل مع العقيلات وننزل ، وغالب رحلتنا كانت إلى فلسطين ومصر ، نبيع ما نرحل به معنا من نجد من جمال وماشية ، ونبتاع ما نحتاجه من تلكم الديار لنجد كرةً أخرى .
مضينا على هذا زمناً حتى حدث ما لم يكن لي بحسبان ولم يخطر لي ببال ، ففي منطقة " الحماد " الواقعة بين طريف وعرعر نشب بيني وبين أخي خلاف ، زادت حدته ، فأنكر حقي وشراكتي له ، ثم طردني من القافلة ، ومنعني من رفقتها إلى فلسطين – ذلكم الزمان - !
شفع لي بعض رجالات الرحلة عنده ولكن دون جدوى ، ثم توصلوا إلى شرٍ هو عندي وعندهم أهون من شر ، وذاك أن يعطني أخي جمالاً أرتحل عليها ، فمنطقة الحماد معروفة بأنها منطقة لا شجر بها ولا حجر !
أعطاني ثلاثة جمال فقط هي من أربع رعايا كنت شريكه فيها ( الرعية من أربعين جمل إلى خمسين ) ، ثم واصل رحلته غرباً إلى فلسطين ، وأما أنا فهيهات أن أعود إلى القصيم ، فعزمت الرحلة إلى بغداد !
طفقت أبيع وأشتري في بغداد ، ثم انتعشت شيئاً ما ، فصار لي تجارة تدور بين العراق والشام ، وحلت البركة ، وتتابع الخير ، فمكثت هناك سنوات عديدة على هذه الحالة المُرضية إلى أن قد فاض المال من يدي فلم أستطع لمّه ولا زَمّه ، فقررت لحظتئذٍ العودة إلى نجد ، ثم اشتريت هذا الشارع التجاري - الذي نحن فيه - بمحلاته كلها ، فهي لي جميعها بين مملوك مستثمر ، وآخر مؤجَّر ، وأما أخي – سامحه الله تعالى – فإنه قد افتقر فقراً شديداً قبل موته ، والآن زكاتي أدفعها إلى بنيه وبناته !!
تنهد هذا التاجر ثم قال لجدي في إيمان ويقين : " والله يعلم – يا بني - بأني لا فرِح ولا حزين على هذا المال الذي يتساقط كما المطر في حجري آخرة عمري ، إذ إني أعلم يقيناً بأن هذا رزق لا بد أن أستوفيه قبل منيتي " !

( الصورة هي لجدي رحمه الله إبان إمرته على إحدى النواحي قبل خمسين سنة ) .

آيدن .

آ
آيدن

مستقل جدًا في الفروع ، منحاز جدًا إلى الأصول ! صفحتي على الفيس : https://t.co/DqvtdACREM

أهلاً بكم في مدونتي! أنا كاتب شغوف أشارككم أفكاري وتجربتي في الحياة من خلال تدوينات أسبوعية. أستكشف فيها التوازن بين القيم والمغريات التي نواجهها يومياً، وكيف يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالمعنى والعمق. انضموا إلي في هذه الرحلة الأدبية!

انضم الى اكتب

منصة تدوين عربية تعتد مبدأ البساطة في التصميم و التدوين

التعليقات