التطور الذي يشهده العالم اصطحب معه تغيّرات عديدة في أنفسنا، من ضمنها التنافس على أمور الدنيا والغوص بها حد الغرق، فبعدَ انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وتعدد أنواعها لمْ تَعد البيوت أسرار، وأصبح بإمكان الأغلبية التعرف على مايحدث بداخلها، فلان تزوج وأقام حفلة زفافه في أرقى قاعات الاحتفال، وآخر فاجأَ زوجته بهدية قيمة، وفلانة طبخها جيّد وملابسها فارهة، وأخرى لاتقر في بيتها أبدًا.
كل ذلك وضعنا أمام باب المقارنة ولم يتردّد أحدنا بفتحه البتة، فالكثير منّا بدأ بمقارنة نفسه بغيره ماديًّا ومعنويًّا.
المقارنة بالآخرين لها حدّين فإن كانت من أجل تحفيز الذات والوصول إلى ماوصل إليه الآخرون، فلاشك أنّها مقبولة وتعود بفوائد على المقارِن أمّا الأخرى فهي عديمة الفائدة ولاتعود على صاحبها إلّا بالحسد والتّعب.
كأن يُقارن أحدهم نفسه بزميله الذي تفوق عليه بالوظيفة، فيغدو طيلة اليوم مشوّش الفِكر شاكًّا بقدراته وإنجازاته، فيؤدي ذلك إلى ضعف تقديره الذاتي ثم يتبعه ضعف الإنجاز والتقدم، وقد وضّح ذلك مالكوم إكس بحكمته الشهيرة "الناجحون يقارنون إنجازاتهم بأهدافهم، الفاشلون يقارنون إنجازاتهم بإنجازات غيرهم".
في هذه الحياة ثمة نجاح يلوّح لنا من بعيد ولانكاد نراه، ثمة نجاح يبحث عن أفكارنا الصادقة وقدراتنا المميزة، التي لا بأس بها وإن كانت محدودة، لكنّنا نخذله عندما نقارن أنفسنا بالآخرين ونتقمص أفعالهم، فنصبح كدمية لاعقل لديها مسيّرة على أهواء مُقتنيها مجردة من أدنى فعل مُبتكر.
لا شكّ أنّنا ندرك أنّ لكلٍ منّا إمكانيات تخصه وحده، فقدرات الناس متفاوتة وماكان متوافقًا مع غيرنا ليس بالضرورة أن يتوافق معنا لكن المؤسف أنّنا نتأثر إلى حدٍ واسع المدى بإبداعات مَن حولنا، ونجِد اليوم أنّ مواقع التواصل وسّعت نطاق التأثر، فقد أثبتت دراسة علمية أجرتها جامعة هيوستن الأميركية أنّ الإفراط في استخدام الشبكة الاجتماعية يزيد من الإصابة بالإحباط والإكتئاب ويعود السبب إلى مقارنة الشخص بين حياته وحياة الآخرين
فلو أننا استبدلنا ذلك الوقت الذي سُلب منا بفعل المقارنة وبحثنا عن ذواتنا بعمقٍ، لتمكّنا من إيجاد هدف يقودنا إلى القمة.
الفكرة التي يجب إدراكها جيّدًا هي أنّ السعادة في مواقع التواصل الاجتماعي قد تكون وهمية، فالإنسان غالبًا يحبّ إظهار نفسه بطريقة مثالية ومثيرة للاهتمام، فلا تغتر بما يُصوَّر ويُنشَر.
ولاء حسان الشيخ موسى