زمان كان (معظم) المشايخ يحكولنا الديمقراطية كفر، والمشاركة بالانتخابات حرام. 


ومرت الأيام... وتبدلت الأحوال، وقرّرت قوى مؤثرة ومنتشرة من الإسلاميين المشاركة في الانتخابات، وحتى السلفيين في مصر شاركوا في (اللعبة السياسية) وأسسوا حزبا سياسيا!؛ السلفيون الذين كانوا يرفضون دائماً الحزبية، وكان هذا أحد أخص خصائص فكرهم، لم يؤسسوا حزباً فقط، بل شاركوا في الانتخابات أيضاً !!. 


 وطبعا هذا التحول في العمل السياسي يحتاج الى تبرير (شرعي)؛ فكما كان الامتناع عن المشاركة في الانتخابات يحتاج الى أدلة (شرعية)، فإنّ المشاركة فيها تحتاج الى أدلةٍ شرعيةٍ أيضاً . فأصدرت هذه القوى نشرات وكُتَيِّبات، ثم كتباً، تُشَرعِن هذه المشاركة في (اللعبة السياسية)، وما أقذرها من لعبة . ... 


⚠️اذاً الموضوع ليس موضوعاً شرعياً يا رعاكُم الله، بل هو موضوع سياسي بامتياز، وما حدث سابقاً، ويحدث اليوم، وسيظل يحدث دوماً، من تبدلات، أحياناً انقلابية، في الفتاوى، لهو مفتاحٌ منهجي لفهم الفقه كله، بل لفهم علم الكلام والخلافات العَقَدِية أيضاً؛ بل مفتاح للتعامل مع تراثنا الديني كله؛ فالفقه وعلم الكلام وبعض الآراء العَقَدِيَّة، وغير ذلك كثير، هو نتاج لواقع اجتماعي سياسي اقتصادي، وليس نصوصاً مقدسة، والا فإن الاخوان والسلفيين، وغيرهم، كانوا كفرة حينما غيروا وبدلوا الفتاوى بتغير المواقف السياسية. لأنّ هذا التغيير سيكون اعتداء وافتراء على مقدس.


أتذكر هذا الموقف الفقهي- السياسي-الاسلامي، اتذكره الآن، واستنتج منه دلالته، بسبب ثِقَل يومِ أمس وألمه : يوم شيرين أبو عاقلة التي قضت برصاص الاحتلا ل، ثم أجهز عليها (بعضنا) بهستيريا كلامِيَّة فقهية عديمة الانسانية؛ قتلها العدو بدم بارد، ثم قتلها (بعضُنا) ثانية، بدم بارد أيضاً،  بقسوة، وبقلَّةِ أصلٍ، وبِقلَّة عَقل .


لقد قتلوا شيرين ثانية، رغم أن هذه الآراء آراء بشر، بما تحمله آراء البشر من أخطاء ونواقص وأهواء ومصالح، آراء يثبتونها اليوم، وربما ينسخونها غداً، يثبتونها إذا شاءت السياسة ذلك، أو إذا شاء الداعمون والممولون ذلك ... أو اذا شاءت مصلحةُ هذا الشخص او ذاك الحزب ذلك ... وينسخونها إذا شاءت السياسة والداعمون وأصحاب المصلحة ذلك... 


فلماذا بالله عليكم تفسدون علينا حتى حقنا في حزننا على شهدائنا، من أجل من، ولمصلحة من ؟! . 


لقد ترك الله للبشر حق الدخول والخروج من الدين مفتوحاً، فهل نصبتم أنفسكم آلهة من دون الله ؟! . 


لقد خص الله سبحانه ذاته العلية بمحاسبة البشر والفصل بينهم يوم القيامة، فهل أصبحتم شركاء لله في الأرض، فأقمتم قيامتنا في الدنيا قبل الآخرة؟ . 


ماذا دهاكم؟ هل فقدتم عقولكم؟ 


هل قست قلوبكم فأصبحت كالحجارة او أشد قسوة ؟ .


إنكم تسمحون لأنفسكم بان تكونوا أدوات سياسية خطيرة تخدم الغرب وأذنابه، وتنخر جسد الأمة فتضعفه، وتضر بمصالحه ضرراً فادحاً وخطيراً.


⚠️يا قوم، لا قدسية لأي كلام ولا لأيةِ فتوى، لا قدسية للإخوان ولا للسلفيين، لا قدسية لأيِّ تيارٍ ولا لأيِّ حزب، ولا قدسيةَ لأي شخصٍ مهما علَت مكانتُه؛ إنَّ السياسةَ والمصالح والمنافع، والارتباطات بالأنظمة، وغيرها وغيرها من الأسباب (الدنيوية)، هذه الدنيويات الموحِلَة بطينِ الأرض، (المُدَنَّسَة) بالمصالح والأهواء، قابعةٌ وراءَ العشرات، ان لم يكن المئات، من الفتاوى؛ إنَّ الفقه عملٌ بشريٌّ بامتياز، وليس عملاً مقدساً أبداً، فاحذروا، وأعمِلوا عقولَكم، ولا يجرونكم الى الفتنةِ باسم الدين، فكلامهم ليس ديناً بأية حال، بل دُنيا غُلَّفَت بالدين . علموا ذلك أم لم يعلموه. 


اتحدى أي شيخ، أي فقيه، أن يقول أن فتواه قاطعةٌ أو مُقدَّسة؛ سأقول له أنت كاذبٌ أو جاهل، فلماذا اذن نعتدي بوقاحةٍ وحماقةٍ على جلالِ وهيبةِ الشهداء ؟!

 لماذا نقتل شيرينَ مرتين ؟!

 لماذا نخلق البلبلة ؟!

 أيّّهما أشدُّ حرمةً أيها المُفْتون والمُعَلِّقون، يا من حرَّمتم التَّرحُم على شيرين، أيهما أشد حرمة : البلبلة التي تخدم الاحتلا ل، أم الترحم على شيرين ؟!! أفلا تعقلون ؟!!. 


لقد اعتديتم على جلال الشهادة، واعتديتم على مشاعرنا، وخدمتم عدونا ... فبئس ما اقترفتموه. إنّ اللهَ ورسولَه والمؤمنين بريئون من أفعالكم وأقوالكم وفتاويكم . 


▫️▫️▫️▫️


وعلى (المقلَب) الآخر - وما أكثر مقالِبنا وخوازيقنا- وبأسماء وعناوين أخرى، لادينية، كحريةِ الصحافةِ والاعتداء على حرية الرأي وارتكاب الجرائم بحق الإنسانية... الخ، تقوم جوقَةٌ أخرى- وكمُكَمِّلين ومتناغمين مع الإسلام السياسي (وليس الإسلام) -  تقوم هذه الجوقة، ومبكراً جداً، باستغلال دم شيرين، إعلامياً وسياسياً، وعلى رأسهم قناة الجزيرة، أخطر وأخبث وسيلة إعلامية عربية في آخر ٣٠ سنة؛ لقد بدأت هذه القناة- بخلفيتها القَطَرِية والقُطْرِيَّة التمزيقية المعروفة، وبتاريخها الأسود ، وبِحِرَفيتها في الكذب والتضليل- بدأت منذ اللحظات الأولى في استثمار دم شيرين .


 ألا ما أبشع الاستثمار في دم الشهداء. 


ألا ما أبشع هذه الجوقة من مُسْتَثْمرِي الدِّين والدَّم والإنسانية، لقد خرَّبتم حياتنا، وسمَّمتُم عقولَنا، وعذَّبتم قلوبنا، فتباً لكم .


▫️▫️▫️▫️


⚠️لقد كان يوم شيرين يوماً ثقيلا وما زاد من ثقله على قلبي شخصياً، أنّ بعضَ الشخصيات المخلِصة والنّظيفة، والمُثَقَّفة،  علَّقت بطريقةٍ ساذجةٍ وسطحيَّة، ومؤسِفَةٍ أحياناً، على استشهاد شيرين؛ لقد أثبت يومُ شيرين قناعتي بأننا (جميعاً) لسنا بخير، لا إسلاميين ولا علمانيين، لا يمينيين ولا يساريين؛ كلُّنا - إلا قِلّة -  نعاني من ضبابية الرؤية، ومن سطحية التفكير، ومن التعصب ...


▫️▫️▫️▫️


يبقى ما لمحتُه، وقد أكونُ مخطئاً، من تمهيش (شعبي) للخطابِ الديني - السلفي-  السياسي، فرغم أننا سمعنا هذا الصوت بعد استشهاد شيرين كما قلنا، ورغم أنه كان قبيحاً ومزعجاً وشاذاً ونشازاً، إلا أنه لم يكن مهيمناً، ولا حتى طاغياً، بل كان هناك نوعاً من التطنيش، أو التهميش له، لصالح الالتفاف الشعبي حول جثمان شيرين، ولصالح التعاطف معها بدون قيود او حدود مشبوهة، ومصنوعة في "أقلام" المخا برات الغربية ( على حد تعبير الدكتور موفق محادين)؛ فهذه أصوات شاذة ونشاز، وليست من الدين في شيء، وليست من طبيعتنا، وما عُلوّ صوتِها وانتشارها إلا نتاج لتغيراتٍ اجتماعيةٍ وسياسية واقتصادية كبيرة، ونتاج لعملٍ مبرمَج مستمِر وطويل، ومتعدد المستويات.


 وفي يوم شيرين أحسستُ أنّ هذا الصوت قد تم استبعاده، أو تم تهميشه (شعبيا)، فهل كان هذا استبعاداً مؤقتاً، ام مؤشراً لتغيير يحدث في وعي الناس على المستوى الشعبي ؟ . 


هل كان هذا التهميش/الاستبعاد تمهيشاً (مؤقتاً )بسبب إلحاح الجزيرة والميادين وغيرهما على الحدث، الأمر الذي أدى إلى تهميش (مؤقت) لصوت التطرف لصالح التعاطف الكبير مع إنسانة لها مخزون كبير في الذاكرة الفلسطينية، وربما العربية، أم أننا بدأنا نفكر بطريقة مختلفة؟ ... 


لا أدري ... فهذا يحتاج إلى بحثٍ وتفكيرٍ ووقت حتى "تتضح الصورة"، مقتبسين عبارة شيرين الشهيرة، والتي كانت جزءاً من رسالتها الإخبارية الأخيرة ... لكننا نتمنى أن يكون هذا الدم والدمار الذي غرقنا فيه في السنوات الأخيرة، حافزاً للتفكير والمراجعة والنقد، لعلّ الصورة تتضح فعلاً، ولعلنا نُخرِسُ الأصواتَ الشاذة التي سمَّمَت حياتَنا وحَرفَت بوصلتنا . 


⚠️لعلّ هذا الدم يوضح لا صورة جرا ئم الاحتلال كما كانت تفعل شيرين فقط، بل يوضح أيضاً صوراً مُخِيفَة، ومَخْفِيَّة، وخبيثة، من التواطؤ والانتهازية، أتحدث تحديداً عن صورة الجوقة المتناقضة ظاهرياً، والمتواطئة عملياً ضد مصالح الأمة، الجوقة التي تتكون من طيفٍ عريض متنوع من أبناء جلدتنا، وتعمل ضدنا، من أعضاء هذه الجوقة من جلدوا شيرين ميتة، ومنهم من استغلوها حَيَّةً وميتة... ويا للعار ... 


#خواطري_علاء_هلال


#مقالاتي_علاء_هلال