عندما أراد أهالي (مالجامي) الاستئناس والحلول وأحياء تلك البلاد المقفرة حيث أنهم أول من سكن بها وأول من وطئها من بني البشر، لم يكن بها من الثدييات إلا حيوان الكانغر، ولما كانوا قوما يعشقون الصيد وبطونهم لا تأكل إلا من لحم صيدهم وسهامهم لا تكاد تخطيء الفريسة فإنهم تذكروا ما كانت تجلب لهم الأرانب من سعادة وهناء وفرصة في ممارسة ما يحبون من لهوٍ وصيدٍ في بلادهم القديمة، فاستورد لهم (حمدامان) وهو أحد كبرائهم وتجارهم أحد عشر زوجا من الأرانب وأطلقها لتتكاثر في الطبيعة فتكون لها (مالجامي) موطنا طبيعيا مكان موطنها السابق، جلبها وابتنى له أيضا مزرعة يكِلُّ فيها الجواد، ويتوهُ فيها السيل، حفرَ آبارها واستخرج ماءها وأسال عيونها وأنشأ بها أشجارا من الفواكه والخضراوات، حتى أصبحت المزرعةُ منبرا للتفاخر والتباهي فحلت من قلبه مكانا من دون سائر النعيم، جلبت المزرعة لحمدامان هناء الروح وصحة الجسد وكمال النظر حتى إذا طرحت ثمارها أخذ منها أكثر من حاجته ونثر ما يبقى لأرانبه التي جلبها وإن كان في سهول (مالجامي) ما يكفيها ويزيد، ولكنه كان يريد أن يُشعر الأرانب بأنه متفضلٌ عليها.
ولمّا يكنْ لهذه الأرانب أعداء طبيعيون فقد تكاثرت وتناسلت بصورة مذهلة وازداد عددها زيادة كبيرة فوق ما كان يُنتظر ويُأمَّل فغصت بها السهول والوديان والجبال وكانت النتيجة سيئة للغاية. أضحت (مالجامي) عاجزة تحت وطئة حُمى تلك الأرانب، فغربت شمس الأرض الحُرة وسطعت شمس أرانب (حمدامان مالجامي) المُحرقة المُهلكة الجشعة، أحرقت الأخضر وأفنت الطبيعة بكثرتها التي رجحت بكفة ميزان الطبيعة، كان الأرنبُ يُجلي بعينيه النافذتين كلَّ معالم الاستغلال، بكُل ما في كرشهِ من القدرة على الجشع والنهم والهضم، فأمست أرانب (حمدامان مالجامي) في أمن يُتبجح به، وصحة يُتغطرس بها، فلا يُهدد عيشها إلا كِبر سنها، فلا هناك ذئبٌ يطاردها أو صقرٌ ينقَضُّ عليها أو لجامٌ يحِدُّ من اندفاعها سوى سهم صيادٍ هاوٍ يقتنص منها واحدا فيأتي مكانه عشرة.
طغت وتجبرت أرانب (حمدامان مالجامي) وأحدثت أضرارا بالغة بتلك البلاد حيث قضت على الحشائش والمراعي فأصاب (حمدامان) الخوف على مزرعته من أرانبه فبنى حولها أسوارا مرتفعة ووضع الحواجز المنيعة، ومع ذلك فقد ثبت عدم فائدتها فقد استطاعت الأرانب تخطيها لتُحيل المزرعة الغنّاء قاعا صفصفا. لم يتمكن (حمدامان) ولا أهالي (مالجامي) أن يسيطروا على هذا الوحش الأرنب الذي صُنع بأيديهم وغُذِي بأموالهم وذاق حرية العيش تحت غطاء حبهم لزرع حيوانٍ جديد في بيئة جديدة نتيجة جهلهم بتوازن الطبيعة وقوانين الاستقرار. وهاهي الآن (مالجامي) يشهد خرابها وفقرها المدقع وصحراؤها الجرداء -التي لم تعد تكفي أرانب (حمدامان مالجامي) التي تعيش بها لوحدها- على أن بعض أفكار الهوى قد تكون مُهلكة مُحرقة مجدبة.