بقلم اسعد عبد الله عبد علي
بغداد, أعجوبة الدهر, لم يوجد مثلها في كل المعمورة, تاريخ وحضارة, وحاضر عجيب, تعطي لكل العالم, ألا أبنائها! رفضت ألا أن تتعبهم, مما جعل فئة واسعة من المجتمع, تعيش بين الهم والحزن والمحنة, بحيث صبغ السواد كل أيام حياتهم, متلاصقين مع واقع مخيف, هو من صنع النخبة الحاكمة, فالفساد يكون تأثيره الأشد, على محدودي الدخل والفقراء, هنا يجب أن نشير إلى حقيقة مرعبة, وهو أن الرحمة اختفت تماما, من قاموس كل الكتل السياسية في العراق.
سنحكي لكم بعض قصص السحر البغدادي, الذي عطره يملئ الأفاق, انه من عبق القائمين عليها, تلك الثلة الرائعة التي تحكم العراق, والتي جعلت من الفقراء همها الأول.
الكوليرا والتيفوئيد, أمراض منتشرة في بيوت الأحياء الفقيرة, لان الهواء ملوث, بفعل جعل مطامير النفايات قرب بيوت الفقراء, والماء ملوث, حيث يتم ضخ الماء الملوث لبيوت الفقراء, عبر شبكة أنابيب الحكومة, ومع توسع انتشار الأمراض المزمنة والوبائية في الأحياء الفقيرة, لكن بقي دور الدولة شرير, حيث بخلت في أنشاء ولو مستشفى واحد, كل ما موجود مجرد عيادات بائسة, فقط تقدم إسعافات أولية, بكوادر فاقدة للخبرة والكفاءة, فالأمر غير مهم لأنه يخص الفقراء فقط.
فاضل, رجل مسن مريض بورم خبيث, من أهالي منطقة المعامل, يعيش في بيت بائس أشبه شيء بالخربة, وهو مسئول عن عائلة كبيرة, بالكاد يحصل على قوت يومه, عبر عمله في جمع القناني الفارغة, وبيعها للمعامل الأهلية بالوزن, والعلاج للورم الخبيث مرتفع الثمن, كان يجتهد كثيرا كي يحصل عن العلاج, مرة عن طريق مبلغ من المال جمعه للزمن, ومرة عن طريق تبرع من إنسان شريف, ومرة ثالثة مساعدة من أمام الجامع, في النهاية سلم أمره لله عز وجل, وترك العلاج, فالعلاج مسموح فقط للميسورين, أما أمثال فاضل فعليهم أن يتعذبوا أو يموتوا, في عراق الظلم.
الدراسة أصبحت حق فقط للأغنياء, لذا على أولاد الفقراء أن يبيعوا مناديل أو ماء, بل أن يتركوا التعليم, أن نسب الأمية بارتفاع مذهل, في أوساط الفقراء ومحدودي الدخل, أما التعليم الراقي, فهو متاح فقط للأولاد النخبة الحاكمة, والفئة القريبة منهم وأذرعهم والمتملقين لهم, على الفقير أن ينسى كلمة التعليم, فهي ليست من حقه, بحسب قاموس السياسة العراقية الحديثة.
حي النصر, من أحياء بغداد الفقيرة جدا, وفي قانون الدولة العراقية, يجب إذلال الفقراء, كي تستمر العملية السياسية بالازدهار, لذا كل عام في الصيف يعاني أهل الحي, من انقطاع الماء لأسابيع وأشهر, وتبدأ المعاناة في نيسان, وتنتهي في شهر كانون الأول, وعلى أهالي الحي الفقراء أن يشتروا الماء أو يحفروا أبار, ليحصلوا على ماء غير معقم, وبلون وطعم غريب, لان الدولة قررت منع الماء على الفقراء, قصة الحي كل عام, ولا تحصل الناس ألا على أكاذيب الساسة.
محمد, شاب من حي النصر, بلغ الأربعون من العمر, يسكن بيت مستأجر, لديه خمسة أطفال, وهو عامل خدمة في شركة أهلية, بالكادر راتبه يحفظ كرامته, تعرض لمرض خطير, بسبب شربه الماء الملوث, الواصل عبر أنابيب الناقلة للماء, وتطور المرض من تسمم, إلى مرض خطير بالأمعاء والمعدة, ويحتاج لمراجعة طبيب خبير, أي الحاجة لمبالغ مالية فوق طاقته, لكن من أين يأتي الشاب محمد بالأموال, وهو ألان لا يعرف ماذا يفعل؟ فالدولة العراقية هي من سممته, بعد أن بخلت عليه بكل شيء, ولن تسهل عليه العلاج, لان المطلوب أن يمرض ويموت, وألان يفكر بعائلته, فمرضه قد لا يمهله طويلا.
أطراف بغداد من حي ألعبيدي وصولا إلى حي المعامل, عشرات الأحياء الفقيرة وعشرات العشوائيات, كثافة سكانية غير طبيعية, وتنتشر الأمراض هناك بشكل غريب, حيث كان القرار الحكومي, أن تكون مواقع تجميع نفايات بغداد, بالقرب من هذه الأحياء البائسة, ويتم معالجة النفايات بشكل بدائي جدا, فالحرق هو الأسلوب الأكثر استخداما, مما يعني تكون سحابة من الدخان السام, تزور بيوت الأحياء الفقيرة, لتعطر بيوتهم بسموم المرض والموت.
هذه الأحياء الفقيرة, تناستها الحكومة عن قصد, حيث لم تقم بآي مشروع حقيقي فيها, فلا مستشفى يلبي حاجتهم, ولا مول يلبي حاجات العوائل, ولا متنزه حقيقي, ولا مكتبات عامة ترفع وعي الناس, ولا مدارس نموذجية, ولا شوارع نظيفة أو مبلطة, لكي يتعبوا أهالي هذه المناطق, ويمرضوا إلى أن يختفوا من الوجود.
أنها أحياء تركت بهيئة العصور الوسطى, لتكون كمتحف حي عن الماضي, فمن طلب التمتع بسياحة غير مألوفة, فقط قم بزيارة حي النصر, أو الرشاد, أو حي التنك, ولا تنسى حي طارق, اعتقد انه على الشركات السياحية, أن تضعها في برنامجها, زيارة أطراف بغداد العجيبة, ستكون رحلة غريبة, أشبه ما تكون بمشاهدة فلم, عن قسوة الحكام بحق الشعوب.
أهالي بغداد خصوصا سكان الإحياء الفقيرة, في زمن الطاغية كان اعتمادهم الأكبر, على الحصة التموينية, حيث تمثل مكسب كبير للفقير, ومع الساعات الأولى للخلاص من نظام المجرم صدام, كان الناس يفكرون بأمل كبير كيف ستتحول الحصة التموينية لسلة كبيرة, تشمل أربعون مادة, لان ملك الشر صدام قد زال, وألان سيأتي الطيبون ليحكموا البلد, ويعملوا على إرجاع حقوق الناس, واتسع الحلم مع الأسابيع الأولى لزوال الطاغوت.
لكن الانتظار طال وطال, وإذا بالحكام الجدد يقوموا بتقليص مفردات الحصة, ويقوم الوزير بسرقة التخصيص, بل يقوم باستيراد شاي مسرطن, كي يموت الشعب ويستولي على مخصصات وزارة التجارة, وضاعت الحصة على الفقراء, فقال حكام العراق الجدد للشعب المقهور: " يا أيها الفقراء اذهبوا انتم وربكم, فلن نعطيكم من خزينة الدولة, وان لم يعجبكم فموتوا, هو اقرب للروح الوطنية السامية.
أنها حرب شرسة من الدولة العراقية, عبر كل ساستها وكتلها الصلدة, وجيش من أولاد الحرام, والمتشبعين بالمال السحت, ومغتصبي حقوق الناس, ضد الفقراء ومحدودي الدخل, حرب من دون أخلاق وقيم, ولا سلاح بيد الفقراء للمواجهة, بل كل ما يمكنهم فعله, هو التكيف مع الوضع المأساوي, الذي يفرضه الحكام عليهم, أو أن يقوموا بانتحار جماعي, للخلاص من محنة حكم الطغاة واللصوص.