في صيف عام ٢٠٢١ وبعد تخفيف الاجراءات الوقائية لجائحة كورونا في الاردن عزمتُ السفر الى الخارج لأخذ قسطا من الراحة والاستجمام.

حيث كانت الوُجهة الى "اسطنبول" نظرا لانه هذه المدينه لا تحتاج الى تأشيرة سفر لذا سيكون من السهل السفر اليها مقارنه بباقي الدول السياحية. 

هذه كانت الزيارة الاولى الى اسطنبول و ماكانت نيّتي حينها إلا لقضاء الاوقات الجميلة والتعرف عليها.

بالمضمون هذه السفرة لم تكن عبثية على الاطلاق ، لكونها واحدة من اهم التجليات التي حصلت لي في حياتي الى الآن، والتي كان لها بالغ الاثر في نفسي حتى اللحظة واتمنى في كل مرة استذكرها بها ان اعود اليها!

في الرابع والعشرين من شهر اغسطس توجهت و عائلتي الى المطار.

في البداية كنت اشعر ببعضٍ من القلق كونها الزيارة الاولى واجهل ما تخبىء لي الايام من الاحداث هناك.

لكن في كل مرة كان ينتابني هذا الشعور كنت اذكّر نفسي بأن علي عيش اللحظة فقط والاستمتاع قدر المستطاع.

لحظة وصولنا الاجواء التركية ،نادت المضيفة عبر السماعات ان الطائرة بدأت بالهبوط التدريجي الى مطار اسطنبول الدولي. 

فأسرعت الى النافذة ،كانت الساعة قرابه الخامسة عصرا والاجواء مشمسة صافيه و كانت الطائرة تحلق فوق البحر تماما.

اللوحة الفنية البديعة التي شاهدتها من نافذة الطائرة لا تكاد تذهب من مخيلتي اطلاقا!

لون البحر الازرق ، كثافة و خُضرة الاشجار و جسر البسفور كانوا يسيطرون على الاجواء بشكل يفوق الخيال ، وكأنها لوحة خُطّت على يد رسامٍ بارع!

شعور القلق تلاشى تماما وحلّ مكانه شعور فرح وشوق لهذه المدينه ، و كأني غادرتها منذ سنين والآن اعود اليها.

كانت نبضات قلبي تتزايد، بدا وكأنه حب من اول نظرة!

أمضيت اجمل الايام كنت اعيش واستنشق كل لحظة بداخلي ،بدءا من طبيعتها الخلابة مرورا ب اماكنها العامة وانتهاءا ب بسفورها.

انتهت الزيارة القصيرة و حان وقت العودة الى الاردن ، اقلعت الطائرة و في قلبي غصة كبيرة لهذه المدينه يرافقها بكاء خافت. 

غادرتها وأنا محمّلة بأجمل الذكريات الجميلة ، وفي كل مرة كنت انظر من نافذة الطائرة مودعةً لها كنت أعِد نفسي باني سوف اعود مرة اخرى.

وبالفعل كانت الزيارة الثانيه لي في شتاء ٢٠٢٢ ولكن هذه المرة ضمن اجواء شتوية بامتياز و هو الطقس المفضل لي دوما.

من هاتين الزيارتين ادركت حقائق مهمة في حياتي: فالانسان منا نشأ على حب الوطن "و هذا ليس بخطأ" وان يعشق تراب الوطن وان الانسان منا لا يستطيع العيش خارج وطنه حتى وإن اجبرته الظروف على ذلك.

لي شخصيًا "اسطنبول" اثبتت العكس تماما ، ادركت ان المرء يهوى المكان الذي تألفه روحه ، ويشعر فيه بأنه حديث الولادة ، ويعشق المدينه التي يرى نفسه فيها! 

لا أُلغي هنا محبتي للاردن أو حتى فلسطين ، لكن اسطنبول كانت دليل كافٍ على ان الانسان يستطيع التنقل بحرية والعيش برغد وسلام في هذا الكون الواسع المسخر لنا من الله تعالى.

"اسطنبول" مميزة وجميلة بكل شيء في نظري.

بديعة في نهارها ، هادئة وساحرة في ليلها. 

اسطنبول ليست مدينه مستجدة او بلد مغمورة او حديثة المنشأ ،بل هي مدينه كبرى تحظى بتاريخ عميق واهمية كبرى ليس في نظر سكانها بل و زوراها أيضًا.

من يمعن النظر فيها و بأزقتها يشعر بأصالة الحياة العثمانية التي مرت بها ، كيف لا وهي تعرف ب أرض  السلاطين. 

وانا كلي يقين بأن ما شخصٍ قد قام ب زيارتها يومًا ما الّا وأن راوده شعور الحنين اليها.

قال مصطفى كمال اتاتورك مؤسس الجمهورية التركية متغزلا في اسطنبول:

"اذا لم يكن للمرء سوى نظرة واحدة يلقيها على العالم ، لتوجّب عليه ان يحدّق في اسطنبول".