ثانياً: قضية ومضمون الرواية:
بعد قراءة الرواية يظهر لنا أنها تدور في فلك تدرج الحكم في يد صلاح الدين في مصر وازدياد نفوذه وفي المقابل اضمحلال نفوذ الفاطميين حتى انقضاء عهدهم وفترتهم بموت العاضد وتوزيع أملاكه بين وجهاد الدولة وقادة الجيش وعامة الناس ثم الحيل والمكائد والمؤامرات للإطاحة بالحكومة الجديدة في مصر ونبذة عن طائفة الحشاشين.
وفي كل قسم من أقسام هذه الرواية نجد قضايا فرعية صغيرة تنضوي تحت لواء قضية كبيرة ألا وهي (التغير السياسي الكبير في الدولة الذي يصاحبه تغير اجتماعي وديني واقتصادي)
ويتضح ذلك في النقاط الآتية:
1-النظام الاجتماعي:
عند النظر إلى الفترة الزمنية التي كان يعيش فيها المؤلف جورجي زيدان نجد أنها كانت في أواخر عهد الدولة العثمانية وفي فترة حكم الخديوي توفيق لمصر وابنه الخديوي عباس حلمي الثاني وكان الوضع الاجتماعي لمصر في هذه الفترة الزمنية غايةً في البؤس والتدهور.
فلم تكن الحياة ميسورة في مصر إلا لأصحاب الجاه والمال والسلطان مثل الخديوي وأسرته ووزراءه وباشوات الدولة وكبار التجار والأعيان أما عامة الناس فلم يكونوا يعيشون إلا كفافاً وكانت أحوالهم العلمية والصحية متدنية وعند إسقاط هذا الوضع على أحداث الرواية نجده بعينه الوضع الذي جاء في مقدمة الرواية عند وصف موكب الخليفة العاضد الذي خرج ليستقبل نجم الدين أيوب والد وزيره صلاح الدين.
والمقولة التي قيلت على لسان الشاب الصغير الذي كان يستمع لصاحبه الذي يشرح له نظام الموكب وملابس الخليفة وحاشيته فقال الشاب: "يلبسون كل هذه الجواهر وهذا الذهب والناس لا يجد أحدهم ما يملأ به جوفه".
2- وضع التعليم:
وقد كان الناس على قدرٍ متدنٍ جداً من التعليم والصحة اللهم إلا الذين كانوا يبعثون بأبنائهم للدراسة في الأزهر الشريف وبسبب المستوي المتدني للتعليم فقد انتشرت وراجت بينهم الخرافات والشعوذة حتى كان الكثير يعتقد فيها ويؤمن بها.
وعند إسقاط هذا الوضع على أحداث الرواية فنجد ذلك ظاهراً في المشاهد التي تسلل فيها عماد الدين إلى مقر الباطنية بدعوى الانضمام لهم وكيف أنهم احتالوا عليه بشعوذتهم وخرافاتهم التي تخالف الشريعة الإسلامية وكيف كاد عماد الدين أن ينخدع بهم ويؤمن بمعتقداتهم حتى تبين له أن ذلك ما هو إلا شعوذة وخرافة.
3- الوضع السياسي:
كان الوضع السياسي في عهد الخديوي توفيق ومن قبله الخديوي اسماعيل وفي عهد ابنه عباس حلمي مضطرباً شديد الاضطراب ذلك أن الخديوي توفيق كان يستعين بالأجانب وخاصة الإنجليز في كل صغيرة وكبيرة مما مكنهم من التدخل السافر في الشؤون الداخلية للبلاد وكان ذلك تمهيداً للاحتلال الإنجليزي لمصر.
وكانت هناك الكثير من حركات التمرد في الجيش وعامة الشعب يشكون من بغي وزراء الخديوي وظلم الإنجليز لهم وأبرز هذه التحركات المضادة الثورة التي كانت بقيادة أحمد عرابي التي استعان الخديوي توفيق بالانجليز لمقاومتها وردعها مما زاد نفوذهم العسكري في مصر وكان من مآسي ذلك قصف الإسكندرية.
وعند إسقاط ذلك كله على أحداث الرواية نجده ظاهراً بادياً في نظام الحكم الفاطمي فقد الخليفة لا حكم ولا نفوذ له وكانت السلطة بيد الوزراء الذين كانوا بدورهم يستعينون بالأجانب لينتصروا في المعارك التي بينهم على السلطة والنفوذ وحصلت بالفعل تحركات صليبية لغزو مصر وتصدى لها صلاح الدين مما أطمع الأجانب في غزو مصر حتى تولى الوزارة صلاح الدين وأحكم قبضته وحسن من النظم السياسية تدريجياً حتى زال ملك الفاطميين.
4- الوضع الإقتصادي:
كان الوضع الإقتصادي في هذه الفترة الزمنية التي كان يعيش فيها المؤلف متدهوراً فقد خضعت البلاد لسيطرة البلاد الأجنبية التي لها ديون ضخمة عند الحكومة وذلك بسبب الاقتراضات التي ليس لها معنى التي بدأها الخديوي اسماعيل ثم توفيق فكان كل إنتاج زراعي أو صناعي يذهب إلى الدائنين الأجانب بحجة تسديد ديون مصر.
ووفقاً لذلك فلم تكن هناك أي نهضة صناعية أو صحية أو تعليمية بسبب عدم وجود الإمكانية المادية بسبب هذه الديون فعانى الناس من فقرٍ شديد وكانت الأموال بيد رجال الحكومة فقط والتجار الذين يوالون الأجانب والباشوات الذين ترجع أصولهم لأصولٍ غير مصرية.
وعند إسقاط هذا الوضع على أحداث الرواية نجد أنه كان متمثلاً في حال الناس زمان الحكم العاضد ومن قبله المستنصر الذي حصل في عهده مجاعة كبيرة أكل الناس فيها القطط والكلاب وأكلوا جثث من يموت منهم.