"التماهي في الأشخاص"، أن يفقد شخصٌ نفسه أو شخصيته ويتخلق بأخلاق شخصيةٍ أخرى يحبها أو يتعلم منها "الأستاذ أنموذجا"، بمعنى أن يتعلق إنسانٌ أو ينبهرَ بشكلٍ أدق بعلم أستاذه وأخلاقه وطريقة تناوله للأفكار، فينهل منه دون الحفاظ على حدوده ودون الأخذ في الاعتبار أن شخصياتنا مختلفةٌ تمامًا وطريقةَ تفكيرنا في الأشياء لا بد أن تكون مختلفةً أيضا باختلاف الظروف سواء ظروف النشأة أو الظروف المحيطة في العموم، فينبهر به ويتعقب أثره ويسجل له ويحفظ علمه -وهذا كلُه واجبٌ عليه بالمناسبة، أن يقدر أستاذه ويقدر علمه ويحفظَه بقدره- حتى أحيانا تظن أن الطالب نسخة كربونية من الأستاذ، وهنا النقطة المحورية! 


هذه الأيام أو منذ فترة شغلني سيد قطب وبدأت أبحث في حياته والكتبِ التي تناولت سيرتَه وكان أهمَهم كتاب "سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد" للدكتور صلاح الخالدي، ولفتني حياته قبل التوجه للعمل الإسلامي، أو كما أسمّيها أنا حياته الأدبية والتي انتهت-بشكل ما-حتى عام ١٩٥٢ بصدور كتابيه التصوير الفني في القرآن والعدالة الإجتماعية، حياته الأدبية وكيف تأثّر بالعقاد تأثّرًا شديدًا حتى أنه كان يقتفي أثره ويسير على خطاه، يدافع عنه وعن كتاباته في المجالس وكان لا يطيق أن ينتقده أحد ولا ينتقد شعره ونثره، ثم بعد أن سار في الحياة وبدأ يرى هذا وذاك ويقرأ شعرًا من هنا وهناك، بدأ يكّون مدرسة شعرية ونثرية خاصّة به وبأفكاره، ثار على العقاد-ليس العقاد وحده- ولكن على جيل القدماء كما كان يسميه، وبدأ يقرأ له ويرى ما يستوجب النقد فينتقده في مقالات في صحف بدون خوف وبدون رياء، كما كان يفعل مع كل الكتاب الآخرين، هو يقرأ ويقيم وينتقد كما يرى هو. "شخص مستقل فكريًّا وشعوريًّا"..

أحببت أن أبلور أنا شخصية سيد قطب الأديب قبل انطلاقته الإسلامية الحركية في عبارة: 

"تلميذّ، ثم مريدّ، ثم ناقدٌ أو ثائر"


مرحلتين هما أساس لمرحلة ثالثة مهمة جدًّا ومؤثرة جدًّا في بناء الأشخاص أو تكوين أشخاص مختلفين وهي مرحلة النقد أو الثورة هي مرحلة مهمّة جدًّا في حياة كل شخص منّا، لكن بحدود وبمعرفة، بمعنى أن الشخص تتلمذ على يد أستاذ وأخذ منه ما يكفي ليكون رأيه الخاص ورؤيته الخاصة لمسائل معينة "يجوز له الخوض فيها"، فيكون بهذا شخصًا مختلفًا عن أستاذه، شخصًا حرًّا، يفكّر بطريقة حرّة وبالطبع مختلفة عن الآخرين "إذا اختلف هو عن طريق أستاذه برؤية الطرق المختلفة وتقييمها ومقارنتها بمراحل تعلّمه ونشأته ومعرفة الصواب منها والخطأ"، فأنت ستثور على القديم وتنتقد ما لا تراه مناسبًا منه، ثم ستعرض رؤيتك أو لماذا تثور على هذا أو لماذا تنتقد ذاك.


منذ أيام كنت أفكّر في:

 من أين تأتي الأفكار؟، أو ما الذي يجعل الفكرة تظهر لنا بشكل مختلف من كاتب لآخر في حين أنها نفس الفكرة وأنهما متوافقان في الرأي؟ 


وجدت أننا لسنا مطالبين بأخذ الأشياء كما هي، أو نقرأ ونسمع بلا تفاعل وبلا تفكير وتقليب للأفكار بحيث تظهر لنا بشكل مختلف، بل مطالبين بالتفاعل التام مع الأفكار التي تُعرض لنا بشكل يومي وقياسها علينا والتفاعل معها وإسقاطها على الأحداث، ستظهر بشكل مختلف تمامًا عن الذي عرضت به للتو، لأن الأشخاص مختلفين وظروفهم مختلفة وبالجملة تفاعلهم مع الأشياء مختلفة..

فتأتي الأفكار المختلفة من تفاعل الأشخاص المختلفين مع الأفكار الحالية، فينشيء كمًّا من الأفكار الأخرى الذي يتناول بشكل مختلف تمامًا عن الأفكار الحالية.



قرأت منذ أيام عبارة تقول: 

لا تتبع أحدًا في العلم على شرط الموافقة؛ وإنما اجعل حاديك الاستفادة لا غير!

هذه العبارة تختصر كثيرًا من الكلام الكثير، لا تتبع أحدًا على شرط الموافقة، أنت كإنسان لست مطالبًا بموافقة كل من تتبعهم، بل أنت كإنسان عاقل رشيد تستطيع أن تميّز ما تتوافق معه وما تختلف معه، ونقطة أخرى:

"لا تُقصي أحدًا"

ليس لأن فلانًا أخطأ في مسألة ما-من منظورك-ألا تستفيد منه، بل أنت بمقدورك أن تفلتر الأفكار، وليس هناك إنسان كل ما يقوله صحيح ولا إنسان كل ما يقوله خاطىء، فسدّد وقارب، واجعل شخصيتك مستقلة عن الآخر-ليس من قبيل خالف تعرف بالتأكيد-أقصد أن تكون ذا شخصية لها رأي مبني على أشياء تستطيع أن تحتج بها.