صباح منعش للغاية ، يجتمع فيه الهواء العليل مع رذاذ لطيف - كان عادلاً في قِسمته مع كل الوجوه والقَسَمَات .. هكذا كانت صبيحة أول يوم في لندن !

الحق أقول ، بأني قد استنشقت ألفَ عبير ، غير أنّ نسيم لندن لم يدخل رئيي مثله ، فلندن عليلة الهواء ، مُسكرة الأريج !

دخلت محلاً لأفطر فيه ؛ وسألت النادل - بلغتي الإنجليزية الركيكة - أن يعطني شيئاً سوى اللحم !

الناس هناك تعودوا وجودَ المسلمين ، ويعرفون حساسيتهم من أكل لحم الخنزير ، ولذا فإنّ البائع سألني مباشرةً لِمَ لا أريد اللحم ، مغمغتُ قليلاً ، فقال : تريد حلال ( هكذا ) ؟ أجبته : نعم . أخبرني فوراً بأن جميع الشطائر الموجودة أمامي – بما فيها الجبن – ليست حلالاً ، وأنه ليس أمامي إلاّ شطيرة واحدة ... وقد كانت شهيةً جداً حين أكلتها !

الحق أقول بأني قد أكبرتُ هذه المسئولية الأخلاقية التي تحلى بها هذا البائع معي !

جلستُ لطاولة كانت لهذا المطعم أمام الرصيف ، ومن ثم أخذت بالتهام هذه الشطيرة اللذيذة ، فيما أنّ بجواري كانت تجلس سيدة إنجليزية مجنونة !

نعم ، فقد كانت تتحدث مع أي أحد يجلس بجوارها بشكل هستيري ، ولذا قد اضطرت سيدة أخرى كانت تجلس بجوارها إلى أن تقوم من مكانها ، وهي تقول موبخة لها : Crazy( مجنونة ) !! لتتركها بعد ذلك لي .. تثرثر ولا تسكت !

لا أحسب أني أقدم جديداً حين أقول بأنّ الشعب الإنجليزي : بارد ، وقليل الكلام ، وبخيل !

الجديد الخاص هو أني أكره ثرثرة النساء ، ولكني في تلك الفترة كنت أتمنى لو تحدثني الأعمدة أو الجدران ؛ فضلاً عن امرأة مجنونة ، ولذا فإني قد أصغيتُ لها بامتنان وسعادة .

الحق بأني لم أفهم كثيراً مما قالته هذه المرأة ؛ لضعف لغتي الإنجليزية آنئذ ، ولسرعة كلامها وتداخله ، ولكنها على أية حال قد تحدثت لي عن أمريكا ونيوجيرسي .

هنا لفتة سريعة : الإنجليز يشتمون الأمريكان ، ولكنهم في أعماقهم يغارون منهم ، وهم معجبون بهم جداً ، ولكنها الأنفة الإنجليزية ، وحسد الميزة !

لا مقارنة بين أمريكا وبريطانيا ؛ فأمريكا بلد الأحلام حقاً ، ولكن بريطانيا بلد النظام صدقاً !

بعيداً عن هذه المرأة المجنونة وعن هاتين الدولتين ؛ فإني كنتُ أحاول قطع شيء من الوقت قبل السفر إلى أكسفورد ، والسبب هو أن العائلة التي سأسكن عندها لن تستقبلني إلا بعد عصر ذلك اليوم .

ولذا فقد ذهبتُ إلى الهايد بارك أقطع في جنائنها الوقت المتبقي ، ولما أن اطمأننت إلى الموازنة الوقتية بين الوصول لأكسفورد والذهاب إلى العائلة التي سأعيش لديها ؛ فإني حينها قد رجعت إلى الفندق وسلمته أهلَه ؛ لأتوجه بعدها نحو الشارع الذي ستمر به الحافلة المتجهة إلى مدينة أكسفورد ... وليحين اللقاء المرتقب بسوزان :)

يتبع ..

آيـدن .

_____________________

الصورة لوسط مدينةأكسفورد بتصويري .. لما زرتها ثانية .