في مقال يعود تاريخة الى عام 2000م بعنوان "ثورة الانترنت والتقنية التي ستعزز ترابط الناس من مختلف الأمصار والاعراق وستمدهم بالمعلومات والمصادر العلمية والمعرفية, قال بل غيتس, رئيس شركة ميكروسوفت, "انه عندما تظهر تقنية جديدة فهذا يعني انها ستحمل معها بصمات التغيير للانماط المعيشية السائدة, وان التقنية الجديدة ستنعش الجدل والنقاش حول اثارها السلبية والايجابية على المجتمع". ويضيف, "ان بعض الناس ينظر للتقنية بتفائل كبير, بينما يراها الاخرين مخيفة ومربكة, ويستشهد بجهاز التلفون في بداية استخدامه". ويشرح ذلك بالقول, "ان بعض النقاد اعتقدوا انه سيقوض وحدة المجتمع وتلاحمه, وان خصوصية المجتمع سوف تتأكل, وانه سيعزز النزعة الانانية والسلوكيات التدميرية لدى طيفا كبيرا من المجتمع. وتصور اخرون, ان التلفون سوف يشكل قوة تحررية تدعم الديموقراطية وانه سيخلق فرص عمل جديدة ستساهم في تكوين مجتمع متجانس وموحد".

وحسب غيتس فان واقعنا الان, وهو يتحدث عن واقع عام 2000, اعاد لنا الكثير من الحجج والجدليات حول الاثار السلبية او الايجابية لتقنية الانترنت, وقال, "انها ستخلق وعيا منقسما بين مؤيد واخر مناهض, تماما كما كانت النقاشات والجدليات تدور حول اثار التلفونات على حياة الناس في بدايات القرن المنصرم". ويرى,"ان بعض المتفائلين يعتقدون ان الانترنت هي اعظم اختراع بشري, اختراع يوازي في اهميته اختراع المطبعة, ويؤكد ان معظم النقاد المتفائلين يعتقدون أن الإنترنت سوف تخلق قوة اقتصادية وسياسية غير مسبوقة, وانها ستمكن الناس من كل الثقافات والبيئات من التواصل والتعلم الجماعي ما يعد برفع معدل الوعي والفهم والاحساس بالاخر, والاهم انها ستخلق نهضة ثقافية كبيرة ينتج عنها ولادة عهدا مزدهرا اقتصاديا وسلميا في كل ارجاء العالم".

وفي الجانب الاخر اعتقد ان "هناك المتشائمون الذين يعتقدون ان الانترنت ستؤدي الى استغلال اقتصادي وثقافي تموت على اثرهما خصوصيات المجتمع وتتراجع القيم والمعايير الاجتماعية بشكل خطير".

والحقيقة ان اثر الانترنت على الاقتصاد اصبح كبيرا جدا, يقول جون كولش وهو استاذ في كلية التجارة في جامعة هارفرد, "ان نحو 1.2 مليون فرد في أمريكا لهم وظائف متصلة مباشرة بالإنترنت في عام 2009، وان هناك عاملين يعملون من خلال الانترنت في الدعاية والاعلان وفي التجارة, وفي بناء و صيانة البنية التحتية لكل ما يتعلق بالانترنت وتسهيل استخداماتها, وقد كتب كولش, ان وظائف واعمال هذه الشبكات الانترنتية تدعم او مرتبطة بوظائف اخرى تقدر بما مجموعة 1.54 اي ان المجموع الكلي للوظائف المرتبطة بالانترنت تقدر بـ 3.05 مليون, وان الاجور التي يتقاضاها الموظفين تقارب الـ 300$ مليار, اي ما يعادل 2% من الناتج المحلي الاجمالي للولايات المتحدة الامريكية" (3).

استراتيجية التطوير - الفجوة الرقمية

حسب الويكيبيديا فان اصطلاح الفجوة الرقمية يشير إلى الفجوة بين الأفراد والشركات والأسر والمناطق الجغرافية على مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية فيما يتعلق بالفرص المتاحة للافراد للوصول الى تكنلوجيا المعلومات والاتصالات وسهولة استخدام الانترنت لأغراض متعددة. والمصطلح بمعناه العالمي يشير الى تباين توفر الانترنت بين الدول. وحسب مصدر الويكيبيديا كان التعليم في الولايات المتحدة احد المجالات البارزة لمناقشة "الفجوة الرقمية"
وكان تركيز الولايات المتحدة منصب على اهمية توفر حاسوبات في المدارس وتم ذلك في عام 1990 بحيث اصبح بمقدور التلاميذ في معظم مدارس الولايات المتحدة من استخدام الحاسب الالي, وفي مطلع 2000 اصبحت هذه الحاسوبات مرتبطة بخطوط انترنت. ولتقليص الفجوة بين مدارس الاثرياء ومدارس الفقراء فقد انشئ برنامج اي ريت (صندوق شامل لدعم المدارس والمكتبات الرسمية ) وقد ارتفع المعدل الاجمالي للفصول الدراسية التي يتوفر فيها خدمة انترنت من 14 ٪ في عام 1996 إلى 95 ٪ في 2005. حسب الويكيبيديا..وفي الآونة الأخيرة ، لوحظ توسع النقاش حول الفجوة الرقمية ليشمل تطوير مهارات الطلاب وتطوير البرامج والتكنلوجيا ذات الصلة بالتدريبات.(4)

نستشف مما سبق ان الية التطوير والتغيير لا تخضع للجدل الدائر بين المؤيدين والمعارضين, بل ان من يتولى زمام المبادرة في التغيير هي القيادات التعليمية التي في الغالب تتخذ قراراتها بموجب الابحاث والدراسات وكذلك الاراء التي لها منطقية علمية او دلالة استقرائية, وعليه فانه ومهما يكون الجدل ومهما تكون مبرراته فان مؤسسات التعليم هي من يقرر في اخر المطاف وتبقى الاراء المختلفة مجرد اراء تسطر للتاريخ فقط.
والحقيقة ان المؤسسات التعليمية في الدول المتقدمة تؤدي دورها التعليمي والتربوي انطلاقا من جسامة المسؤلية الملقاة على عاتقها تجاه اجبال الغد, الاجيال التي تعتبرهم الاستثمار الحقيقي الذي لا مساومة حوله, والتي ترى ان تطوير قدراتهم تعد من المشاريع التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد والتنمية والامن والاستقرار.
في الجانب الاخر نجد ان اهم معوقات مجتمعاتنا العربية تكمن في الالية التي من خلالها يتم اجراء التغيير, والالية المتبعة تستند في جوهرها الى ثقافة تستند الى العادات والتقاليد ورؤى تقليدية كانت صالحة لزمان ومكان مختلفين جذريا. وفي الجانب الاخر نجد ان الاهتمام بمعطيات الابحاث و الدراسات لا تنال الاهتمام الكافي ما زاد من تفاقم وتراكم الاشكاليات المجتمعية على كل المستويات, (الاخلاقية والسلوكية والاقتصادية..الخ) ورغم ان هذه المواقف السلبية تجاه التغيير قد تلقي بظلالها المعتم على مستقبل و مسيرة امة بكاملها, وبرغم ان التغيير قد تسلل الى كل شيء في حياتنا, الا ان مسيرة الرفض تجاه تطوير التعليم ومناهجه على سبيل المثال لا زالت تسير على قدم وساق.
من هنا كان الحرب تجاه التخطيط وتجاه التغيير وتجاه تأهيل الفرد علميا وتقنيا ولغويا. لكن ما لا يعلمه هؤلاء ان مجتمعاتنا ستواجه حربا غير متكافئة وستكون مستقبلا في اوضاعا اقتصادية وتنموية واجتماعية مترهلة, فحينما يصبح افراد الدول الاوربية والاسيوية وحتى الافريقية مؤهلين تأهيلا علميا وعمليا للاستفادة من الانخراط في ملايين الوظائف المتوفرة عبر شبكات الانترنت, في الدعاية والاعلان وفي فن التسويق, هذه الملايين من الوظائف ذات المرتبات العالية التي ستمنحها, الشركات العابرات للقارات ومئات الشركات والمؤسسات المنتشرة في كل ارجاء العالم, للكوادر البشرية المؤهلة للقيام بمتطلباتها كشرط اساسي وبغض النظر عن جنسك او لونك, بينما سيظل ابناؤنا وبناتنا ولأسباب تعليمية وتدريبية يصفون في طوابير طويلة امام ابواب الدوائر الحكومية في انتظار بضعة وظائف في الغالب تكون قد تم حجزها لذوي الشفاعات والواسطات.

اننا حينما نرفض "التغيير" اي مسايرة الواقع العملي الذي يتناغم مع امال وطموح ابناء وبنات الجيل الجديد, فاننا مع الاسف نتسبب في شل حركة المجتمع ونقوض فيه ميكانيكية التطوير والاستمرارية. اننا عندما نفرض عليه تصوراتنا وعاداتنا, وحينما نحاصر قدراتهم وامكانياتهم وفق رؤيتنا المحدودة التي ترى ان هذا يناسب عاداتنا وتقاليدنا, فاننا بشكل عملي نساهم في خلق بيئة يستشري فيها الفساد والخراب, والسبب اننا ببساطة حينما نرفض ان نرتقي بقدرات ابناء وبنات مجتمعاتنا فاننا نجهض فيهم الابداع ونبدد فيهم الامل ونزرع في وجدانهم اليأس والاحباط ما يجعلهم اعتماديين وكسولين وعدوانيين يترتب على ذلك عدم قدرتهم على اداء اعمالهم الموكلة لهم باتقان, في هذا السياق دولارد وبيركوتس (نظرية الاحباط والعدوان) وغيرهما, تناولوا ظاهرة ارتباط الاحباط بالسلوك العدواني واكدوا ان الاحباط من بين الاسباب او العوامل المؤدية للعنف وارتكاب الجرائم..والاستاذ المساعد في قسم علم النفس والسلوك, اتش ريتشارد لامب من جامعة جنوب كلفورنيا كلية الطب, يؤكد في بحث مطول ان الاحباط يودي بالموظفين الى النضوب او الانهاك, ما يعني انخفاظ قدرتهم الانتاجية. (6)
ابراهام ماسلو يعلق على هذه الجزئية بالقول اننا يجب ان نطور قدرات الافراد كل وفق ميوله وطموحه حتى نستطيع ان نساعدهم في تحقيق ذواتهم, اي نساعدهم في الوصول الى قمة العطاء والنجاح, ويؤكد انه حينما لا نساعدهم في بلوغ اهدافهم "تحقيق الذات" فاننا عمليا نقتل فيهم تقديرهم لذواتهم ونمحق فيهم الدافعية للانتاج والابتكار والاستمتاع بالحياة.

 

 

د. سالم موسى

نشر في الميدل ايست اون لاين  2011م

 استاذ مساعد في جامعة الملك خالد السعودية