قبل بضعة أيام قرأت مقولة جميلة تقول :

"Sometimes I think I'm crazy because I see things differently than everyone else " و تقول العبارة : "أحيانا أعتقد أنني مجنون لأني أرى للأمور بشكل مختلف عن الجميع" . أعتقد أنني رميت بالجنون والغرابة لمدة غير وجيزة ، وذلك أثر كثيرا في طفولتي ، لكنني حين أعود بنفسي إلى الوراء أرى أني كنت نفسي في كل المواقف، لم أتبلد لأني كنت مختلفة ولكنني بكيت وشددت شعري كثيراً منذ أن كنت في الخامسة من عمري .. نتيجة لذلك تكون لدي وعي متزن عن الإرادة الحرة وما ينبغي على الشخص الالتزام به إذا رغب أن يكون حرا من فكر من يحيطون به .

الآن فقط فهمت أنه ما من نقيصة أخرى لتقال عن شخص يتفوه دائما بما يعتقده سوى اتهامه بالجنون ، لأن الآخرين نادرا ما يتكلمون بما يعتقدون ، إضافة إلى أن المجنون هو من يكرر مايعتقده من متناقضات لا تغيب عن أذهان الآخرين، لكن الخوف _متعدد الأوجه _كما تعلمون ،يلقي ظلاله على قلوب الناس فيؤمنون بحقيقة وينكرون نصفها ويصرحون بنصف حقيقة ويدفنون نصفها التوأم !

و الآن دعونا نتكلم عن شخصية عربية وحيدة كمثال على هذا الموضوع ولنرى رد فعل الناس عليها : هناك مفكر فلسطيني يعيش في المهجر لديه شهادات عليا في الطب البشري والشريعة والتجويد وهو باحث في تاريخ السيرة النبوية (اسمه عدنان إبراهيم)،إنه ببساطة شخص يحلم بعالم أفضل لكنه يعمل لذلك ! عندما فكر بإظهار نتائج أبحاثه التي من شأنها قلب موازين التاريخ في السيرة النبويه وتاريخ الصحابة و عكف عليها سنين، ويدين بها لله أولا _عندما فكر أن يظهرها للعلن دون أغلفة أو شرائط، قذف وعودي و كفّر . وأنا كنت مستغربة من الحملة التي شنت عليه ونتيجة لذلك بدأت أخبر الناس أنه أمر غريب فقوبلت بهجوم آخر من أشخاص مقربين لدرجة أني لم أذكر اسمه بعدها ! إنه _أي المفكر_ ليس شخصا غريبا لكن العصر الذي نعيش فيه يفتقد فيه الناس للحرية العاطفية والفكرية، ويستعبدون من قبل مفكرين وزعماء لفكر معين أيا كان هذا الفكر، و رموز لتيارات وفنانين ومشاهير. فالناس بطبعهم يتبعون هوى غيرهم والذي لا يستحق دائما هذه المتبوعية !

لقد كان ذلك المفكر مستغربا ولكن أصدقائي والعموم لم يكونوا مستنكرين لشناعة ماحصل له، كنت وإياه وحدنا المستنكرين لهجوم خرج من تحت وطأة غضب وخوف كبير من سماع ما لا يُطرَق على الآذان ، لكنه يسري بالأذهان ليل نهار .

هنا المفارقة والعيب _ولا تتمثل آراء الحكماء في هذا فلو أن الحكماء اتبعوا آرائهم من بداية حياتهم لما أصبحوا حكماء _ ! فما يمر على الأذهان له الحق أن يطرقه الكلام ، لا مباطأة ولا أناة ولا مضض في أمور الفكر الجميلة هذه .ولا تتوانى عن أن تناقش مبدأً وتعيد النظر في صحته ، لأن "هوى شيطانيا " _في نظر البعض ربما _ أيقظنا من سباتنا عنه ! إننا كبشر إن كنا واثقين من قدرتنا المطلقة على الاختيار فإننا بالتأكيد سنرجع عن الباطل إذا ما اكتشفناه ، و إن لم نرجع فتلك أيضا إرادتنا الحرة وسنحاسب عليها !


روان فايز