بسم الله الرحمن الرحيم


كان جالساً كعادتِه ؛ تَـغْـمُـرُه أشعة الشمس الدافـئـة ، و كانت هي جالسةٌ في الـظـلِّ تَـتَـأمَّـلُه ...

سألته ببراءة : ما هذه الأخاديدُ المحفورةُ في وجـهِـك يا جدي ؟ .

قــــال  : هي بقيةُ من المصاعبِ التي واجهتُها .

فسألته : و هذه الانحناءةُ في ظهرِك ، ما قـصـتُـها ؟

قـــــال  : هي أثـقـالٌ تحملتُها ، و ما تحمَّلها ظهرِي .

فـســكــتــتْ ، فسألها :

 ألن تسأليني - أيضا - عن جراحِ قـلبِي ، و ندوبِ نَـفْـسِـي ؟

فقالت – و قد احمرَ وجهُها و اضطربَ صـوتُـها - :

أنا آسفةٌ يا جدي ، يبدو أنني أثرتُ أحزانَـك بأسـئِـلَتِي .

فابتسم الجدُّ و قال : لا ، أنا جادٌ في أسـئِـلَتي .

فقالت - و الحيرةُ مرسومةٌ على وجهِها -  : و كيف أرى جراحَ قـلـبِكَ ، و ندوبَ  نـفـسـِكَ  يا جدي ؟ .

قال : تـسـتـطـيـعـيـن رؤيتها اذا تجاوزت الظاهر ، و تفاعلت مع الباطن ؛ اذا ما نظرت الى ما وراء ملامحي ، و استمعت الى ما يخفيه صوتي .

فتأملت ... ثم سألت :

ما الذي أدمى قلبك يا ترى ، ما الذي أثـر بعنف في نفسك ؟ .

قال : أحلامٌ اجْـهِـضَـت ، و قلوبٌ تَـغـيَّـرَت ، و نفوسٌ تَـعَـفَّـنَـت . 

فسألته بحرارة ممزوجة بالدهشة : اذا كانت آثارُ ما عانيت في حياتِـكَ ظاهرةً على جـسـدِك ، و مطبوعة على شـغـافِ قـلبك ، و محفورةً في أعماقِ نفسك ، فكيف - و أنت الآن على أعـتـابِ الـثـمانـيـن ، أطال الله في عمرك – حافـظـتَ على نشاطِـكَ و حـيـويتـك  ؟! .

ابتسم الجدُ ابتسامتَهُ الحنونةَ ، ثم قامَ ، و وضعَ وجهها الطفوليّ بين يديه الكبيرتين ، كأنه يرفع يديه الى السماءِ للدعاء ، أو كأنَّه ينـتـظـرُ هديةً تـتـنـزل من السماء ... ثم دعاها الى الجلوسِ مكانَه ، فأضاءت أشعةُ الشمسِ الدافئة وجهَهَا ...  ثم أشـارَ الى الشمسِ وقال :

لأن هناكَ دائما ، أملٌ .