الله خالقي و خالق الكون!


منذ ولادتنا و نعومة أظفارنا و نحن نستمع الى كلمة "الله" من محيطنا , لكن بالطبع لم نكن حينها مدركين حقيقة المعنى العظيم السامي لها.

إلا أن كبرنا قليلا و التحقنا بالمدرسة و منها بدأت الصورة لدى كل واحد منا تتشكل تدريجيا عن "الله".

عندما التحقت بالمدرسة كنت دوما ما أسمع هذه الكلمة من المعلمات و كانوا يلقنوننا بأن الله :

· هو خالقنا و خالق هذا الكون بكل مافيه .

· هو الذي يرانا و يسمعنا.

· هو الذي يحيينا و يميتنا.

· هو الذي يدرك تماما ما يجول في خواطرنا.

ومن البديهي جداً ان يذكروا لنا بعضا من صفات الله ( الواحد , الاحد , لم يلد ولم يولد..).

تقدمت بالعمر أكثر واصبح التعليم عن الله يأخذ منحى اخر .

أضحت الدروس التي كنت آخذها آنذاك حول الجنة و نعيمها لكن مع التركيز الاكثر والاقوى حول العذاب و العقاب و نار جهنم و لهيبها و الكثير الكثير من شتى أنواع العذاب الأخرى و التي أكاد أجزم أن معظم إن لم يكن جميع من يقرأ سطوري هذه قد مرَت على مسامعه هذا الكلمات عندما كان صغيرا.

بدأت الصورة عن الاله تتشكل لديَ , لكن سأكون صريحة بما يكفي لأن أقول بأنها لم تكن صورة لطيفة أو حتى عادية على الاطلاق.

صورتي عن الاله آنذاك كانت مخيفة يملؤها الرعب وأنا أفكر بأن الله فقط يترصد لنا الأخطاء لكي يعذبنا.

لكوني طفلة صغيرة لم يتجاوز عمرها 10 سنوات كان من الصعب علي أن اتحمل هذه الصورة التي رسمتها عن الله في مخيلتي.

على الرغم من صغر سني الا أنني دائما ما كنت أشعر بثقل الحياة على كاهلي.

أتذكر جيدا أنني كنت أتحدث مخاطبة نفسي : لماذا أتيت الى هذه الحياة ؟ لماذا خلقني الله؟ و لماذا يريد تعذيبي؟!.

في معظم الأحيان كنت أشعر بأن الحياة ليست جميلة , كنت أقوم الى الصلاة و الصوم و أداء العبادات المختلفة لكن لا عن قناعة بل عن خوف و رعب من الله و الموت و اللقاء بعد الموت.

في المرحلة الثانوية تناولنا في حصة التربية الاسلامية درسا عن عذاب القبر , كانت المعلمة تشرح بتأثر كبير و كأنها تدرك تماما عم ما سيحصل لنا في القبر.

أذكر أنني لم استطع النوم تلك الليلة وأنا أفكر في الموت و كيف ستكون أول ليلة لي في القبر و ماذا سيحصل لي في عالم البرزخ.

كنت أتشبث بالحياة أكثر , لم أكن أريد الموت ولا لقاء الله خوفا منه , شعور الخوف لم يكن يفارقني و ما لبث الا ان تحول الى حالة من الهلع و الخوف و حالة من عدم الارتياح في كل مرة كان يذكر فيها اسم الموت أمامي.

السنوات مرَت بي و أنهيت المدرسة و الجامعة و على الرغم من كل التغيرات التي مررت بها وقتها, الا ان الثابت الوحيد كان خوفي و نظرتي عن خالق الكون والموت يرافقهم تخبط بالقرارات أحيانا , شعور بقلة الارادة والعزم على بدء مرحلة جديدة من حياتي , بالاضافة الى تعرضي لنوبات وساوس مختلفة و مرهقة بعض الشيء.

وكل هذا كان نتيجة العلاقة المضطربه مع خالق هذا الكون.

في ضوء هذا الوضع ظهر أمامي طرف خيط أو طرف أمل و إلهام عن طريق صديقة مقربة لي , أرشدتني لمشاهدة فيديو ل دكتور مختص بهاذا المجال كان الفيديو يتحدث عن الله عز وجل و عن كيفية التعامل السليم مع الذنوب و السيئات , كان يشرح بطريقة مبسطة و رائعة , لم تتجاوز مدة الفيديو ال 50 دقيقة لكن والله بأنها دقائق كانت كافية لتكسير الأصنام في عقلي حول علاقة الانسان بربه.

و منذ مشاهدتي لذلك الفيديو و الحياة بدأت تتغير تدريجيا للأفضل.

نظرتي عن الاله بدت أكثر وضوحا و الضبابية بدأت بالتلاشي من مخيلتي , أصبحت أقرأ و اشاهد وأسمع عن كل ما يخص الله والموت والحياة.

و عندما بدأت ب ادراك هذه العلاقة السامية بين العبد و ربه , تبادر الى ذهني أسئلة كثيرة:

لماذا عندما كنا صغار لم يحدثونا عن حب الله اللامحدود لنا ؟

لماذا لم يحدثونا عن معجزات و رسائل و الهامات الله لنا و التي لا تنتهي الا عند انتهاء أعمارنا ؟

لماذا لم يكثروا بالحديث عن نعيم الجنة و الاخرة؟

لماذا لم يعلمونا بأن الانسان خلق ليتزكى و ليستمتع في الحياة ؟ 

- لماذا عملوا على اقناعنا بأن الحياة الدنيا ما هي الا دار للابتلاءات و الهموم والاحزان؟

لماذا لم يحدثونا عن أن لكل انسان على هذه الأرض رسالة و غاية لاعمار الارض و نفع الناس؟

ألم نسأل أنفسنا يوما لماذا أعداد الناس الذين يشعرون بالاضطرابات النفسية يزداد , وان أعداد المرضى الذين يراجعون المصحات النفسية أيضا يزداد , و أن اعداد المقبلين على عمليات الانتحار في تزايد , و ان هناك اعداد ليست بقليلة من المجموعات الخارجه عن الدين (الالحاد)

نسبة كبيرة من هذه العوارض يكون سببها الفهم الخاطىء عن الله و الموت .

علوم النفس و التنمية البشرية تساعد على فهم الحياة أكثر و ترشد الانسان الى فهم نفسه و ذاته وأن يحقق اهدافه و ان يعيش حياته في رغد.

لكن هذا لن يؤتي ثماره ما دامت العلاقة مع رب الكون في اضطراب.

بمجرد فهم العلاقة و فهم الدين الصحيح واتباع الله رغبة و حباً , تلقائيا ستتحسن حياة الانسان سيصبح قلبه أسير لله تعالى وحده , و يسعى دوما لإرضاء الله  و السير على أوامره وأحكامه و تجنب معاصيه , سيتحرر تدريجيا من اتباع الناس أو اتباع عادات و تقاليد بالية , سيتحرر من نظرة الناس و أحكامهم عليه , و ستتبدَد المخاوف بداخله و يعيش الجنة على الأرض , سيعي تماما رسالته السامية على الأرض , سيدرك أن الكون كله مسخر له و يساعده دوما لتحقيق و تجلِي ما يريد , عندها فقط سيشعر الانسان بالراحة و الامان و الاطمئنان و يعيش السلام الداخلي.

نحن البشر لسنا بملائكة!

نحن خطائين , و خير الخاطئين التوابون ومن رحمة الله علينا أن ابواب المغفرة مفتوحة الى أن تخرج الروح الى بارئها.

من الطبيعي جدا ان يرتكب البشر المعاصي و لم أصدق يوما أن الانسان مهما بلغ من العلم و الوعي والادراك بالله و الدين بأنه لم يرتكب المعاصي او الاخطاء في حياته .

إدراك الخطأ هو نصف الحل , ما إن ادركناه سنستطيع ان نعود الى ربنا متضرعين طالبين منه المغفرة و الله عز و جل لا ينتظر منا الا أن نعود له نطلب العفو والغفران.

علاقة العبد بربه أشبه بعلاقة الام بطفلها : فعندما يقوم الطفل بفعلٍ يغضب والدته و سرعان ما أن يطلب منها السماح فأنها تسامح من دون تردد فما بالكم ب ربٍ رحيم رؤوف بعباده.

كل أفكارنا و نظرتنا عن الاله ما هي الا برمجات موجودة في عقولنا قد تكون صحيحة للبعض و قد تكون خاطئة للبعض الاخر , اكتسبناها من الصغر حتى يومنا هذا , اكتسبناها من أشخاص ومجتمعات من مختلف درجات الوعي و المعرفة ، من الممكن أن تكون لديهم معلومات خاطئة أو منقوصة عن الله و الدين .

يجب أن نعيد برمجاتنا هذه بإعادة فلترتها و اعادة صياغتها و فهمها و تصحيحها الى مسارها , يجب علينا أن نفهم و نتعرف نحن بأنفسنا على "الله" عن طريق الإبحار في كتابه الكريم و الخوض في سنته الشريفة و التحرر من كل الأفكار السامة التي قاموا بزرعها في عقولنا عن خالق الكون عندما كنا صغارا .

حتى تكون تجربتنا الأرضية كلها أمان واطمئنان و أن نكون نافعين على هذه الارض و أن نكون على استعداد تام في أي لحظة للقاء ربنا رب السموات والارض بكل محبة وشوق. 

يقول تعالى  في سورة النور: 

للَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"

صدق الله العظيم.