تخبرني صديقة لي أنّ فلانًا تقدم لخطبتها بتوترٍ بالغ، صديقتي التي كانت عازفة عن الزواج منذ عرفتها وتحدثنا، تجلس معه مرّة ثم تقول لي مبتسمة: الأمور تتغير، وتعدّد لي مميّزاته. أسبوع تقول لي أنه يتحدّث بشكل كذا، ملبسه مهندم، يبدو أن الدين ركيزة في حياته، فأقول لها بحماس: لتعطه فرصة إذًا، وتدعي لنا الفرصة لاختيار الفساتين لارتدائها في حفل خطبتك! 


شابٌ ما في عائلتي تزوّج وأنجب طفلة، طفلة هي الأجمل على الإطلاق، أصبحت الأقرب لكل شباب وبنات العائلة، هي أول طفلة تُولد لشاب في بيتنا، أحببناها جميعًا رغم أنّها لم تكمل بعد شهرها الرابع، يوم ميلادها هو نفس يوم ميلاد أبي، صدفة عجيبة لم نختر اليوم بل هي من اختارته. أتأملها كثيرًا، أتأمّل أمها-التي كانت صديقتي في المرحلة الابتدائية-أصبحت أمّا ولديها هذا القمر. لا أقابلها حتى أسألها سؤالًا واحدًا لا أمل من تكراره: ما شعورك وقد أصبحت أمًّا لرقية؟

 ترد وتقول: متعب لكنه شعور جميل، هذه حبيبتي! 

أحملها فيأخذها مني أبوها ويدللها، لا أستطيع منع نفسي من متابعة هذا التدليل، ومتابعته، لم يكن كذلك بل غيرته رقية، أو غيّرت فيه شيئًا ولو بسيطًا!


منذ عدّة سنوات، في مصلّى الكلية تسأل زميلة لنا سؤالًا جماعيًّا: ماذا ستعملون في المستقبل؟ 

فترد فلانة وفلانة، وأنت يا رميصاء؟ 

تبتسم رميصاء وتقول: أريد أن أعمل في المنزل

وُجهت لي اعتراضات كثيرة هذا اليوم، كيف لك أن تدرسي خمس سنوات ثم بعد ذلك تجلسي في المنزل بلا عمل، فأرد وأقول: لا أرى نفسي إلّا أمًّا.

صديقة لي تقول لي: لا تأتي سيرة الأمومة إلّا تذكرت يا رميصاء، منذ قلت لي أنّك تريدين أن تصيري أمًّا!


مرّ زمنٌ على هذه الأحاديث، حدثت أشياء لم أتوقع أن تحدث، غيّرت فيّ الكثير، تغيرت الأشياء من حولي أو ربما الأشياء لم تتغيّر أنا من تغيرت. لم تعد الأمومة أوّل شيءٍ بالنسبة لي ولم يعد البيت هو المكان الذي أريد الجلوس فيه بعد التخرّج، مازالت هذه المشاعر الكثيرة تجاه الأمومة تنتابني كلما نظرت إلى طفل أو طفلة فأظن أنني رجعت لما كنت عليه بالأمس، لكن ثمّة أشياء أخرى أصبحت تشغلني عن "الاحتياج".

بالأمس كنت أتحدّث مع صفية، وأقول لها: أنا أشعر بالأسى حيال ذلك، أصبحت أتعامل مع الأشياء بعقل أو نضج ربما!، أنا كنت أحب هذه المشاعر، لم أحب يومًا الاستغراق فيها لكنني أحبّها بشكل ما! 

قالت: التعامل مع الأشياء بنضج وليس باحتياج هو الحل الأمثل للاختيار الصحيح، ستختاري بموازنة وليس بعاطفة ومشاعر ربما تكون خاطئة! 


أحب الأشياء التي تبدأ أمام عينيّ، ألاحظها في ترقّب، ليس على سبيل التنصت ولكن على سبيل رؤية العلاقات التي اختيرت بمساهماتنا ومساعدتنا ونصائحنا تكبر أمام أعيننا، أرى نتاجها، نتاج الاختيار الذي لم يكن سهلًا على المختار ولا علينا، بل كان وراءه كثير من التردد والحيرة والخوف والحذر، الحذر من العلاقة الجديدة، كان وراءه كثير من: "لن تتغلبي على هذا سوى بالمواجهة، حاولي، المحاولة قد تنفع ربما"، الخوف من تكرار المآسي، اختبار: هل تعلمنا شيئًا أم لا، هل سنكرّر أم لا!


مازلت أحب أن أكون أمًّا، أمًّا لطفلة لا أعلم ما اسمها لكنني أحبّها قبل أن أراها، أريد أن أرى ما الذي ستغيّره فيّ هذه البنت، هي بالفعل تغيّر فيّ الآن، لكنني متشوقة لرؤيتها الآن أكثر من أي وقت مضى. أريدها ان تعلم أنّني تمنيت كثيرًا رؤيتها وتمنيت كثيرًا لو لم أرها أبدًا، بين التخبّط من ناحية والحيرة من ناحية أخرى، كانت هناك الكثير من المحاولات لأصبح أمًّا أفضل لك، وستكون هناك محاولات لأبني بيتًا هادئًا لك، وكثيرٌ من المحاولات التي سأقول لك بها أنني أحبك.