Image title

لطالما تساءل العلماء عن المعيار الذي يمكن لنا أن نحدد من خلاله من هو حي ومن هو ميّت، ويمكنك بسهولة أن تجد بعض القصص والأخبار عن أشخاص دُفنوا ثم أفاقوا من موتهم ليموتوا مرة أخرى بسبب هول ما رأوه، وهو ما قد يدعى بالموت السريري، فقد يتوقف القلب أحيانًا، وينقطع النفس، ويبقى الإنسان حيًا، فمتى نعتبر الإنسان حيًّا؟ ومتى نعتبره ميّتًا؟

لا أود التكلم حول الناحية العلمية كثيرًا، ما زال الجدل قائمًا حول من هو حي ومن هو ميت، لكنني أود أن أتكلم بلغة البشر، هل تعتبر نفسك حيًا؟ وما الفرق بينك وبين من نام تحت الثرى؟

في فيلم I,Robot الذي أطلق عام 2004 يبدأ إنسان محادثة مع إنسانٍ آلي حيال الفرق بين الإنسان الآلي والإنسان الحقيقي، خلال هذه المحادثة يصرخ الإنسان الحقيقي بالآلي قائلًا: "أنت لست إنسانًا حقيقيًا، أنت إنسانٌ آلي، لا تستطيع رسم قطعة فنية مثلًا!" فيرد الإنسان الآلي بهدوء: "أوتستطيع أنت؟".


Image title
لقطة من فيلم I, Robot الذي صدر عام 2004 من بطولة النجم Will Smith ليحوز تقييمًا بـ7.1 من 10 [2].

يعجبني هذا المشهد كثيرًا، فهو يدلنا على واقع تجاهلناه كثيرًا حيال قضية "الحياة"،  فإذا سألتك عن الفرق بينك وبين شخص ميت، ستقول لي بأن هنالك فروقات واضحة غالبًا، الميت لا يستطيع التأثير في مجريات الحياة، لكن هل تستطيع أنت؟

هنالك مئة وثمانية مليارات إنسان قد ولدوا طوال التاريخ المعلوم على هذا الكوكب [3]، هذه الحبة الزرقاء في زاوية الكون قد استقبلت أكثر من مئة مليار إنسان، جميعهم جرّبوا النفس الأول، دق قلبهم مرة على الأقل، جرّبوا شعورًا ما أو اثنين، قلة نادرة منهم أكملوا حياتهم، وثلة من هذه القلة قد نجحت، بضعة من هذه الثلة أثرت في الكوكب، ومن حفروا اسمهم في تاريخه يعدون على الأصابع، فأين أنت منهم؟

برأيي، اللحظات تعرّف الحياة، التاريخ جدار كبير ممتد هائل أبيض، كلما أثر الإنسان في حياته، لطخ التاريخ بفرشاته، وهكذا تتجسد حياة هذا الإنسان شيئًا فشيئًا، ولحظة فلحظة، تلك اللحظات هي التي تعرّف الحياة، حين ضرب "نيل أرمسترونغ" القمر بقدمه لأول مرة، حين صرخ "مارتن لوثر كينج" أمام العالم بحلمه، حين صاح "محمد علي" بـ"إيرني تيريل": "ما هو اسمي؟"، حين نادى "أرخميدس" فرحًا: "وجدتها، وجدتها!"، حين غنّى الفرنسيون "لامارسييز".

Image title

هذه اللحظات هي التي ثبتت في تاريخ البشرية، إنها اللحظات التي عُرفت بها شرائط حياة العديد من عظماء البشر، القصص التي تغير مجاري الأمور هي القصص التي تحفظ في الأذهان، ويذكر اسم أصحابها على مر الأجيال.

صديقي أيها الإنسان، لا ترضى بالعيش فحسب، إياك أن تقف عند ذلك النفس الأول، عش لحظات تعرّف حياتك، فالتاريخ وحش كاسر صعب إيقافه، فقط أولائك العظماء هم من يتمكنون من إبطائه ليكتبوا عليه أسماؤهم، الحياة التي لا تُخلّد في أذهان الأجيال هي حياة مهمشة ستكون كسائر الـ108 مليار حياة، ولكي لا تكون حياتك كذلك، لا تكن مع نفسك، كاذبًا كالحياة.

[المصادر]:

  1. لوحة "موت سقراط" على موقع متحف "The Met".
  2. معرض صور فيلم I, Robot على موقع "IMDb".
  3. مقال نشر في موقع منظمة "PRB" بعنوان "How Many People Have Ever Lived on Earth" لكاتبه "Carl Haub".
  4. الخط الزمني لرحلة Apollo 11 ويظهر الاقتباس خلال الساعة 10:56 مساءً.