لا أعلم ... ما إذا كان باستطاعتي خلع نظارتي الشمسية التي رافقتني عمراً طويلاً !!
ولا أعلم ... ما إذا كان بمقدوري تحطيمها حتى لا تتسلّل إلى نفسي الرغبة في ارتداءها مرة أخرى !!
فبعض الرفاق يؤذون كثيراً وهم يبتسمون !!
نظارتي الشمسية ادّعت ذات يوم أنها تحمي عيني من لهيب الشمس الحارقة، بينما هي في الحقيقة حجبت عنها النور !!
نعم ، حجبت عنها النور فقط ولا شي سوى ذلك .
وكالمعتاد صدّقتُ دعواها دون تردّد ، لا لأنها أثبتت صدق دعواها بالدليل القاطع والبرهان الساطع، بل لأنها جعلتني استمْرِأ الرؤية الدّاكنة، والحالة الساكنة، فآثرت الركون إلى حيث لذة الوهم وإيهام اللذة
تماماً، كمن يستمتع بلذة السُكّر وهو يعلم أن وراء تلك اللذة مرض خطير ومؤذي ... إنه يعيش اللحظة .
نظارتي الشمسية كانت تُرِيني السّراب المُترائي من بعيد في صحراء الحياة القاحلة جدولاً مُنساباً يتراقص تحت غيمة ضافية .. (فابتسم ) !!
ابتسم غبطة لهذا المنظر الجميل وهي تهمس في مسمعي أنْ لا أُريك إلا ما أرى، و تُقْسِم على ذلك بأيمانٍ مغلّضةٍ، فاَنتشي فرحاً متجاهلاً قطرات العرق وهو يتسلّل على جبيني .
أنزع نظارتي كي امسح ما استقر على جبيني من تلك القطرات ، فإذا بالحُجُب تتكشف لي ، ويتبيّن لي الحال ، فما من جدول رقراق ولا غيمة ضافية ، ومع ذلك أعاود ارتداءها مرة آخرى، فما أنا تبت ... ولا هي تابت .
أغادر المكان ، وما زلت متأبّطاً نظراتي وعلامات التعجب ترتسم على قسمات وجهها الشاحب ، ولسان حالها يقول : ما بال هذا المسكين لا يملّ مرافقتي رغم ما أُذيقه كل ساعة ظهيرة ... يال صبره الطويل عليَّ، ويال طول نَفَسي معه .
اما إذا التقيت الجموع من البشر، ونظرت إلى أعينهم فإن نظارتي لا تُروني إلا ما ظهر من بريق تلك العيون ، البريق الظاهر على السطح فقط ، وتَعْمُد إلى حجب ما وراء ذلك البريق من قراءة للغة العيون، واستقراء لتعابير الملامح،
ومع ذلك ( ابتسم ) !!
اتدرون لماذا ؟
لأنها ببساطة تهمس في مسمعي دائماً ( لا اريك إلا ما أرى) ... فأصدّقها بَقسمٍ ومن غير قسم .
اغادر تلك الجموع مصطحباً ذلك البريق اللامع المتراقص على ضفاف نظراتهم ، وقد بنيت منه أحلاماً عِراضٍ وخيالاتٍ واسعة .
ولا زلتُ متابطاً نظارتي الشمسية!!
بت اعشق في جنون تلك الخيارات التي تمنحني إياها رفيقة العمر الطويل ، حتى هممت أن ارتديها قبل أن اخلد للنوم ، أملاً أن ترافقني في أحلام المنام كما رافقتني في احلام اليقظة .
أرهقتني تلك النظارة (سيئة الذكر)
ولا أعلم هل أُلقي باللّوم عليها ام أُلقي به على شيء آخر ...