بحمد الله ونعمته أكرمنا بأفضل نبي وأنزل عليه أفضل كتاب وهدانا لأحسن منهاج، ومن محاسن شريعتنا وروائعها، أن المسلم يستطيع أن يَبِر والديه بعد وفاتهما، فكثير ما يتحسر الإنسان على بر والديه: إما أنه كان يتيماً فلم يدرك أبويه أحدهما أو كلاهما، أو أنه كان بعيدا عن الله ثم ثاب إلى ربه وأناب لكن بعد رحيل والديه عن الدنيا، فمن رحمة الله تعالى أن البِرَّ مستمراً لا ينقطع بموت أحد الوالدين، سواء قصَّر المرء في حقهما أم لم يقصر، مع العلم أنه (لا يَجزي ولدٌ والدًا إلَّا أنْ يجِدهُ مملوكًا فيشتريَهُ فيُعتقَهُ)( صحيح أبي داود (5137)) وهناك أمور ذكرت في السنة الصحيحة تبين للولد كيف يبر والديه بعد الوفاة وذلك من مثل:
- الاستغفار: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! أَنَّى لِي هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ).
- الدعاء: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ).
- قضاء الكفارات: (لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟». قَالَ نَعَمْ. قَالَ: «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى).
- الصدقة: (إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»)
وباختصار فقد قال تعالى:(وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، والإحسان كما يكون في الدنيا يكون أيضاً في الآخرة، نقف مع صورة للإحسان إلى الوالدين في الآخرة، نتريث لنتأمل تكريم وأي تكريم، المعطي رب العالمين والجائزة أغلى من الدنيا، والعطاء في حياة أبدية سرمدية، الحضور خلق كثير لا يعلم عددهم إلا الله تعالى، ووالداك في أمس الحاجة ولو إلى حسنة فكيف بكرامة من الكريم الوهاب... فكيف بعطية أرحم الراحمين، تُرى من أكرمه الله تعالى هل سيُعذب .. اللهم أكرمنا ولا تهنا.
نداءات ...
يا من انكسر قلبه لفقد والديه وأحس بتقصير في حقهما ...
يا من كان غافلا فلما رزقه الله الذرية أحس بمعاناة والديه، فأراد أن يعوض ..
يا من يرى أن والديه أعزَّ من فارقهما من أهل الدنيا، فأحب أن يقدم لهما أفضل ما عنده ..
يا من عاش يتيماً وتمنى أن يخدم والديه ولكنهما رحلا عنه صغيراً ..
يا من أخطأ في حق والديه ويبحث عن تصحيح خطأه ..
إلى كل هؤلاء وغيرهم تمعَّنوا وتدبروا هذا الحديث:
عن بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ القرآن وتعلَّم وعمل به أُلبس والداه يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس ، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان : بم كسينا هذا ؟ فيقال : بأخذ ولدكما القرآن ) . رواه الحاكم ( 1 / 756 )، انظر السلسلة الصحيحة ( 2829 ).
نعم (بأخذ ولدكما القرآن)، إن أخذك للقرآن هدية تقدمها لوالديك أعظم من الدنيا، تضع على رأس والديك(تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس)، هدية تقدمها في دار البقاء، هدية تقدمها في موقف كل واحد محتاج ولو إلى حسنة، فيا لفرحة الوالدين، وما أجل ما قدم هذا الأبن البار لهذين الشيخين (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ).
ماذا تساوي هدايا الدنيا بل الدنيا كلها أمام هذا التكريم، لعل من الحفظة من يحزن لأن أبويه لم يشهدا حفل تكريمه في المسجد، لا تحزن هناك تكريم عظيم من العظيم جلَّ وعَلَى، والجائزة لا تقوم لها الدنيا.. تاج وحلتين في دار البقاء،
كل ما عليك هو ( أخذ القرآن ) كما سبق في الحديث، وهو يسير على من يسره الله تعالى عليه، واستعن (بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)، فهو القائل:( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)، (أي: ولقد يسرنا وسهلنا هذا القرآن الكريم، ألفاظه للحفظ والأداء، ومعانيه للفهم والعلم، لأنه أحسن الكلام لفظا، وأصدقه معنى، وأبينه تفسيرا، فكل من أقبل عليه يسر الله عليه مطلوبة غاية التيسير، وسهله عليه ... ولهذا كان علم القرآن حفظا وتفسيرا، أسهل العلوم، وأجلها على الإطلاق، وهو العلم النافع الذي إذا طلبه العبد أعين عليه) كما قال السعدي رحمه الله تعالى.
ونحن نرى حفظة للقرآن أعمارهم صغيرة، وألسنتهم أعجمية، فقط استعن بالله وضع خطة وابدأ واستمر وستصل إن شاء الله مهما كبر سنك، ومهما كثرت مشاغلك، فلو حفظت كل يوم أية لكن خيراً كثير فـ(إنما السّيل اجتماع النقط)، وبركات القرآن لا تقتصر على كرامة الوالدين فحسب بل للقرآن بركات كثيرة لا يعلمها إلا الله تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ).
وختاماً فقد أوصانا الله تعالى بالشكر لوالدينا (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)، فليكن من شُكْرِ الابن أن يُلبسْ(والداه يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس ، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا) لأن ولدهما أخذ القرآن.
سالم محمد أحمد