في زمان اختلط الحابل بالنابل، وصار كل يتكلم برأيه في الشريعة الإسلامية ولو كان من أجهل الناس أو صاحب هوى لا يرى إلا رأيه فقط على قاعدة (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ) وجب تبين الحق بالأدلة (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ).
وإن من هذه المواضيع الذي نرى كلاً يدلي بدلوه فيها سواءً كان جاهلاً أو عالماً لكنه يغض الطرف عن أدلة القائلين بخلاف رأيه ولا يستطيع الرد عليها، أقول من هذه المواضيع موضوع حجاب المرأة المسلمة.
وفي هذا المقال إن شاء الله سوف نرى أن مسألة الحجاب والنقاب من صميم تعاليم الإسلام، وتتوافق مع مقاصد الشريعة، ولكنها للأسف تتناقض أو تنقض مقاصد (الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا) وهم كثر في هذا الزمان ولهم من يؤيدهم لكنهم خواء من الأدلة بل إن الأدلة النقلية والعقلية والواقع يرد عليهم.
وللتنبيه نحن هنا لا نقرر القول الراجح في تغطية المرأة للوجه، ولكننا نقصد فئة تسعى بقصد أو بدون قصد إلى (أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا) ولذلك - حتى الفقهاء القائلين بعدم وجوب تغطية المرأة لوجهها – تجد لهم شروط وبين قولهم وقول المحاربين للحجاب أبعد مما بين السماء والأرض.
والحجاب ومنه النقاب موجود على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث نهى المحرمة بالحج والعمرة أن تنتقب حيث قال (ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين)، والذي يقول إن النقاب من الإرهاب إنما يتهمون بذلك الرعيل الأول بالإرهاب وهذا قمة الخرف والتقول بغير علم.
والذين يَفْصِلون الحجاب من الإسلام إنما قالوا ذلك لأن المسلمون متِّبعون لدينهم في الحجاب وغيره، فأرادوا أن يسقطوا هيبة الحجاب بالزعم أنه عادة عربية جاهلية أو صحراوية أو تقليد ثقافي خاص بقرون معينة (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا).
و الآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة مستفيضة وتُكذِّب هؤلاء الذين يزعمون أنْ لا علاقة للإسلام بالحجاب، ومنها آية الحجاب المشهورة ومن الأحاديث كحديث (لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات مُتَلَفِّعات في مروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد ). رواه البخاري ( 365 ) ومسلم ( 645 )) فيا للفضيحة هل هؤلاء إرهابيات أو يدعين إلى الإرهاب كما يزعم البعض، أوَلمْ يدرِ أولئك أن ذلك الجيل (خير الناس ...) كما في الحديث.
وإذا تأملنا في قول من قال بجواز كشف المرأة لوجها تجد لهم شروط وتفصيلات وكلهم مجمعون على أن الستر أفضل، وأنه في حال الفتنة الحكم يختلف وذلك لأنه يتوافق مع مصالح الشريعة الذي ما من خير إلا ودلت عليه وما من شر إلا وحذرت منه إما مباشرة أو بالاستنباط (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ).
من هذا يتبين أن المعادين للحجاب: إما جاهل أحمق يقلد من غير سؤال عن حجة أو برهان، أو مخدوع لبّس عليه، أو منافق حاقد يريد النيل من كل ما هو جميل ومنه الحجاب، وقد يكون من يؤيد هؤلاء من هو صاحب شهوة أو عبد لدولار أو مداهنة سياسية فمثل هؤلاء لا يهم عندهم حق أو باطل وإنما ما يحقق لهم رغباتهم ويحفظ لهم مناصبهم ومكانتهم ويظهرون بمظهر المثقف من قبل الشرق أو الغرب.
(فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)
نسأل الله أن يبصرنا في آياته ويحفظنا من اتباع الهوى ويجيرنا من أن نكون ممن (اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) .