في صيف عام 2015، و أنا أمر جنب "بوردرز بووكس" ، متجر الكتب المفضل لدي في روتشستر في ساعة متأخرة من الليل، شد انتباهي أحد الكتب المعروضة على الواجهة من خلال عنوانه ، تحت اللمبة اللامعة الصفراء خلف الفيترينة ، لذلك عدت في صباح اليوم التالي فاشتريته وفي التو شرعت في قراءته. ربما لم يكن الكتاب هو أفضل مجموعة مقالات قرأتها على الإطلاق ، لكن العنوان رسخ في ذهني منذ ذلك الحين. "الالتزام الأخلاقي للأذكياء".

ما علاقة ذلك بتعلم اللغات؟ هل التحدث بلغات أجنبية يجعلك أكثر ذكاء؟ هذا يعتمد. هل القدرة على التحدث بلغة أخرى جزء من الذكاء؟ ليس بالضرورة. لكن كونك ذكيًا ومعرفة لغة أجنبية يفرض قاسم مشترك واحد على الأقل.

كلاهما يسبب آلاما على حد سواء ، ولا أعني ألم حضور حد معتبر من المحاضرات الطويلة المملة أو حفظ المفردات والدراسات النحوية أو وقتك المبذول للسعي وراء الحكمة والمعرفة ولا حتى الشعور بالوحدة الذي ينتابك جراء تفانيك في ذلك. المسعى يمكن أن يجلب عليك الألم والعذاب الحقيقي كلما اقتنعت شيئا فشيئا أنه كلما اتسعت دائرة معرفتك كلما زاد اتصالك بالمجهول ، وكلما كانت قناعاتك غير المكتسبة على أساس معرفي أكثر ثباتًا، تفتأ تؤرق هويتك الجديدة بلا حول ولا قوة منك.

إذا حالفك الحظ بما يكفي لدراسة اللغة الفارسية ، فقد تدرك أنه ليس كل الشعر الجميل مكتوبًا بلغتك الأم. الملاحم الفارسية المكتوبة في عهد الإمبراطورية الساسانية جميلة مثل قصائد سلالة تانغ الصينية. إذا كنت تدرس اللغة الإسبانية ، فقد تدرك أن ما تعتقد أنه جانب فريد من نوعه في ثقافتك له نظير مماثل في ثقافة أخرى. أن أورثيا البورتوريكية متطابقة تقريبًا مع الأحد الكوري. إذا كانت الروسية هي لغتك ، فقد تدرك أنه لم يتم خوض كل المعارك الحربية المهمة التي غيرت مجرى التاريخ البشري على أرض وطنك. أن الهزيمة الروسية للحشد الذهبي في ميدان كوليكوفا لا تقل أهمية عن استعادة غرناطة في إسبانيا.

قد يسأل المرء: ألا يمكنك إستخلاص كل هذه المعاني من خلال قراءة التاريخ؟ نعم! لكن التاريخ الذي كتبه من ولمن؟ إنتبه! ، بعد تعلم لغة إذا كنت تهتم بما فيه الكفاية. يصبح جزء منك عضوًا في القبيلة التي تنتمي إليها اللغة وهذا الأنفصام الثقافي يمكن أن يكون مؤلمًا حقًا.

ومع ذلك ، يمكن تبرير بعض هذا الألم بسهولة إذا أقتنعت أن تعلم اللغات يزيد حظوظك في الحصول على فرص عمل أفضل في شركات أجنبية أو في دول أخرى. أو التمتع بين الفينة و الأخرى في الملذات البسيطة الناتجة عن التواصل مع أجانب جمعتك بهم الصدفة على مائدة العشاء و أنت تشارك حديثهم عن المؤامرات السياسية والحكايات التاريخية التي تحسنها بخمس لغات مختلفة.

لماذا إذن يريد الإنسان العاقل تعلم لغة أجنبية؟ للتواصل مع الناس خلال أسفاره إلى أماكن مختلفة؟ لزيادة حظوظه في حياته المهنية في عالم صارت فيه سوق العمل مفتوحة؟ هذه احتمالات معقولة.

لكن لذة تحمل آلام تعلم لغات أخرى يعلمها من لديه ما يكفي من الفضول لرؤية العالم كما هو على طبيعته دون غربال الترجمة، ولأولئك الشجعان بما يكفي لكسر حجاب التعصب بدلاً من الاختباء بشكل مريح خلف الحاجز اللغوي ولمن لا يهاب المغامرة بكسر الحواجز لمعرفة إخوانه من البشر حتى و لو كانوا أعداء. و أنت تقرأ عملا مترجما فقد سلمت بعض عقلك للمترجم!

أنا لست بأي حال من الأحوال أتهم أولئك الذين ليسوا مولعين باللغات الأجنبية بأنهم جبناء، لكن إذا كانوا طلاب للمعرفة فعليهم أن يكونوا دائما أكثر حرصًا بأن يبحثوا باستمرار عن مصادر معلومات أكثر موثوقية. مع أني مقتنع أنهم يدركون أن التلذذ بوجبة كسكسي في منطقة توات لا يمكن تعويضه بالسماع عنه من مصدر موثوق!

في الواقع ، فإن السعي وراء المعرفة عموما يكاد يكون دوما مقرونا بتحمل الألم وتعلم اللغة ليس استثناءً. ولكن في مثل هذا الألم وربما فقط في مثل هذا الألم يمكننا التغلب على سوء الفهم ببناء جسور بين الثقافات والحضارات.