بقلم اسعد عبد الله عبد علي
كان دوما مصطفى, يحس أن الدنيا, وجدت لفئة معينة في العراق, لا تمت لهم بصلة, فهو من عائلة توارثوا الفقر والحاجة, من الأجداد إلى الأحفاد, حيث كان جده صياد سمك, بالكاد يوفر حاجات عائلته الكبيرة, أما والده فكان مجرد عامل بناء, بصعوبة يحصل على عمل يومي, ليعود بالخضار لمطبخ البيت, وها هو اليوم مصطفى, موظف بسيط في وزارة التربية, بمشقة يحفظ كرامة عائلته براتبه البائس.
أنها جدلية الحياة الغريبة, التي أجبرت البعض على حياة صعبة, فالقدر التعيس الخاصة بهم, يجبرهم أن يكونوا فقراء, جيلا بعد جيل, وكانت الأقدار دوما تأتي بالسفهاء ليحكموا البلد.
منذ الصباح ومصطفى يحاول أصلاح "المبردة", كان يعمل على أعادة الروح لها, ويحاكي نفسه, "كأنها لن تعمل هذا الصيف, أبوابها متهالكة, صدئة مكسرة, قد فقدت بهجة ألوان الأمس, وقلبها "الماطور" قد شاخ وتعب من الدوران, قد أصابها الهرم, فعمرها الافتراضي قد انتهى, ومازالت تنبض بالحياة, فقط كي تعطف علينا, فهي تعلم أن قضية استبدالها من المستحيلات, تحملتنا عمرا طويلا, تعطينا نسيما باردا, يخفف علينا هم الصيف".
عادت بمصطفى الذكريات, إلى أيام شباب "المبردة", فهمس لنفسه في حنين لطفولة مؤلمة, "مازلت أتذكر ابتسامة أبي, وهو فرح بنسيمها, عندما يعود من العمل المتعب, ليجلس أمامها, أتذكره جيدا وهو يعود متعبا, ومعه أكياس الخضار, ليسد بها حاجة البيت, نتأمل وصوله كفاتح منتظر, أو مخلص موعود, انه أبي الذي هو أفضل من كل الكتل السياسية, الغارقة في اللصوصية والفساد, أبي وأمثاله أكلوا فقط من كد عرقهم, فالعامل والصباغ والحارس وصاحب (البسطية), اشرف وأنزه ألف مرة, من جميع القادة السياسيين العراقيين, لكنها حياة غريبة تبتسم فقط للفاسدين, وتعطي فقط لمن نزع عنه ثوب الإنسانية.
وهو يحاول تشغيل المبردة" تذكر زميلته في الوظيفة, "ميس", التي تسكن في حي زيونة, ذلك الحي الذي يسكنه الأغنياء فقط, ميس من عائلة متخمة بالأموال, صباح الأمس سمعت ميس, حوار مصطفى مع زميله, حول "المبردة" فسألته عن ماهية الجهاز الذي يتحدثون عنه, لأنها لم تسمع به من قبل, ولم تفهم معنى كلمة"المبردة", حيث عاشت ميس طفولتها في لندن, وولدت في بيت مكيف بأحدث الأجهزة, فشل مصطفى في محاولة الشرح والإفهام, عن ماهية المبردة, ضحك مصطفى كثيرا, على سخرية القدر, وعلى البرجوازية الجديدة للعراق الغريب.
يبدو أن لا حل لقلب المبردة ( الماطور), فكل الإجراءات التي قمت بها لم تنفع, مما يعني أن دين جديد, سيضاف لقائمة الديون, كي تعود "المبردة" للدوران, لم يبق من الراتب البائس سوى عشرة ألاف دينار, وأمامي عشرة أيام صعبة, حتى موعد الراتب, ذلك الراتب الذي حاربني عليه ألعبادي, ليثبت للأعلام انه فارس الإصلاح, مع انه يعلم برواتب المدللين, من مدراء عامين, وموظفي أمانة الوزراء والبرلمان والنفط, التي هي مبالغ خيالية, لكنه تجاهلهم وشهر سيفه ضدي, انها فروسية البرجوازيين.
أني تحت ضغط رهيب, فما عساي أن افعل, هل اخرج حاملا سلاحي اقطع الطريق, كي احصل على المال, كما هي عادة عرب الجاهلية.
المصيبة الكبرى أن مضخة ماء ((الواتربم)), أيضا لا تعمل, انه صيف منحوس من أوله.
ترى هل ترهق المختار نوري المالكي فكرة الواتربم, أم أن نوفل أبو رغيف سيتعكر مزاجه الشعري, بسبب أبواب المبردة المتهالكة,وهل تأخذ المبردة حيز من تفكير العبقري الشهرستاني, أو أن الجميل خضير الخزاعي سيشتري علبة صبغ وفرشاة, ليصبغ دواخل المبردة, أو أن القائد العظيم أياد علاوي, سيجد صعوبة في تبديل ليف أبواب المبردة, وهل سيحس عباس ألبياتي بحرارة الجو, عندما تتوقف المبردة عن الدوران, نتيجة انقطاع الكهرباء مثلا, وهل ينظفون مبرداتهم استعداد للصيف مثلي أنا؟
يبدو أنني أعيش في عالم كله ضيم وظلام, أما الساسة الشرفاء جدا, فهم يعيشون في عالم أخر, مختلف جذريا عني, حيث لا توجد فيه "مبردات", ولا تواجههم مثل مشاكلي.