Image title

لست أقرب الناس لسعد رحمه الله ولا ألصقهم بهم ولا صندوق أسراره الخاص، لكن عيناي امتلأت وفاضت مرارا يوم السبت الماضي كأن الميت أخي أو رفيق دربي، تلقيت الخبر صباحاً وأنا عائد من أبها فاسترجعت ودعوت له بالرحمة وسرحت بفكري بعيدا بعيدا، كانت زيارتنا له يوم الخميس الماضي محملة بالألم، ابتسم لنا ورحب بنا بصوت أضعفه المرض تحامل على نفسه قدر المستطاع ثم أغمض عينيه رغما عنه ولم يعد يشعر بوجودنا حوله، اقترحت على صاحبي أن نستأذن ونخرج..، سلم صاحبي عليه..سلمت عليه وقبلت يده وودعته وخرجت، شيء ما دعاني لتقبيل يده..لا أعرفه إلى الآن، حتى ذلك الحزن العميق الذي كساني يوم وفاته وما بعده كان أمرا عجزت عن السيطرة عليه أو التحكم به، لقد غرتني نفسي وظننت أنني أستطيع التجلد أمام رحيل الأحباب، أما مشاعر الناس الجياشة وهذا الحضور  غير المعتاد في الصلاة على جنازته ودفنه فلا أظنها إلا سرائر الدنيا فاح طيبها عند الموت.

كان سعد رحمه الله ومحمد وعادل وخالد وغيرهم من الفضلاء هم المصافحة الأولى لنا نحن طلاب الثانوي القادمين للمركز الصيفي قبل سنوات، كانوا السطر الأول في صفحات الشباب العطرة وابتسامة البداية في المشوار الطويل، كان سعد رحمه الله مدير المركز وقائد الباص لرحلة مكة والمدينة، عرفته مشرفا ثم صار صاحبا نلتقي من حين إلى حين في اجتماعتنا العامة.

كانت رسائل سعد بعد موته نافذة إلى أعماق القلب، تذكرت وأنا أرى دموع المشيعين وتغريدات المودعين قول القائل: " وكانت في حياتك لي عظات ..وأنت اليوم أوعظ منك حيا"   قال لي بلسان حاله: إن بقع الضوء في أعمال الخير ليست كل شيء، إذا عرفك الله فكفى به عن كل أحد، قال لي أيضا أن التواصل الأخوي بين أبناء العمل الدعوي خارج دائرة العمل ومواضيعه يحتاج إلى مراجعة وتصحيح، قال لي كذلك يكفي أحيانا أن تفتح الباب للداخلين وسيجدوا على أطراف الطريق من يدلهم على تفاصيله، أضىء ما استطعت من عتمة السبيل إلى الله فرب صادق يضيء له صدقه بقية السبيل، قال لي قد لا يعرفك الناس فصيحا ولا عالما لكن تعرفك قلوبهم صادقا مبتسما لينا يهدي الله به من يشاء، قال لي قد لا تستطيع أن تكون كل شيء في حياة المدعو لكن لعل في إمكانك أن تكون المنعطف الأول وربما الأهم الذي يبقى أثره طويلا وإن كان في أعين الناس قصيرا أو ضعيفا، رحمك الله يا سعد..كان حديثك بعد موتك أكثر منه في حياتك، لقد أسمعت..رحمة الله عليك.