يقول:
((كنت أعاني من مرض نادر، وهو عبارة عن كسل في إحدى الغدد المسؤولة عن إنتاج أحد الهرمونات الضرورية للحياة.
عانيت كثيراً ولكني لم أخبر أحداً، إلا المقربين جداً مني ومن غير تفاصيل دقيقة.
كان الطبيب الاستشاري المسؤول عن علاجي يقول سنحاول تحفيز الغدة لتعود كما كانت، ولكنها لن تعود إلا بعد سنتين -على الأقل- من العلاج .
مضت السنتان ، وسنتان بعدها، وأخرى خامسة... وفي كل مرة أراجع فيها الطبيب أمني النفس بأن يبشرني بأن الحال في تحسن؛ بناءً على نتائج التحاليل التي يطلبها مني. ولكنه قال في آخر المطاف : "بصراحة لقد يئست من عودة الغدة لإفراز الهرمون بشكل طبيعي لذا ستستمر على العلاج حتى تموت" . ولما اشتكيت من التأثيرات الجانبية للعلاج قال بكل صراحة ليس أمامك إلا حلين : إما العلاج وعليك أن تتحمل تأثيراته الجانبية أو أن تموت.
فخرجت من عنده مستسلماً لأمر الله، راضياً بقضائه وقدره، ولكني لم آخذ كلام الاستشاري الكبير كمسلمة لا تقبل البرهان، وإنما قلت في نفسي لعل في الأمر خير.
لا أخفيكم أنني كنت أمر بنوبات قوية لدرجة أني أرى الموت بأم عيني وأشم رائحته الكريهة، ومع هذا كنت أمارس حياتي بشكل طبيعي، ولم يشعر أحد إلا المقربين جداً مني بما أعاني.
أقوم بعملي على أكمل وجه، وأحاول أن أقهر ظروفي. كنت على تواصل مستمر مع الطبيب الاستشاري بالهاتف عندما تحصل لي أي مشكلة صحية أو مضاعفات.
فالحالة تستدعي أحياناً مضاعفة الجرعة، وأحيانا لمضاعفتها مرتين، أوثلاث،... و تارة لتخفيضها للحد من التأثيرات الجانبية القوية التي تسببها زيادة الجرعات.
فقد مررت بحالات اكتئاب حادة جداً، ونوبات هلع مميتة، وإغماءات متعددة، وانخفاضات حادة جداً في الضغط والسكر، وتارة ارتفاع بشكل مفاجئ فيهما.
كان ذلك أحياناً بسبب العلاج، وأحياناً بسبب النقص الشديد في الهرمون الذي يقترب مستواه أحياناً من الصفر. والذي قال عنه الطبيب(من لطف الله بك أنك مازلت على قيد الحياة، فوالله تكاد أن تكون الشخص الوحيد الذي يصل الهرمون لديه لهذه المستويات ولا يموت).
ولا أخفيكم أني كنت في كل ليلة أنام وأنا متفهم تماماً أنها ربما تكون نومة أبدية.
مضت ليالٍ طويلة على هذا الحال بين قلقٍ وأرقٍ وتوتر، لم يكن يسمع أنيني فيها إلا الله، ومع هذا كنت أنام مطمئناً أني تحت رحمة الله وراضياً بما قسمه الله لي، وأحمده سبحانه على نعمه الكثيرة. و كنت أدعوه في كل صلاة أن يشفيني، وأن يخفف عني.
وفي ليلة من تلك الليالي شعرت بضيق شديد جراء أحد النوبات المعتادة فقمت في الثلث الأخير وتوضأت وصليت الوتر وفي السجدة الأخيرة التي لا أعلم كم استمرت من الوقت؛ ألهمني الله فيها من المحامد والدعاء ما شاء، فدعوته سبحانه طويلاً، دعوت الله وأنا متيقن من الإجابة، وأذكر جيداً أنني قلت :
(يارب أنت الذي خلقتني ورزقتني وأحييتني... ، وأنت الذي خلقت هذه الغدة وبأمرك كانت تفرز هذا الهرمون، يارب إن الطبيب يقول أنه يئس أن تعود طبيعية كما كانت، وإني يارب لم أيأس من رحمتك، فأنت الذي خلقتها وتستطيع أن تعيدها كما كانت، فأعدها لطبيعتها يارب..)
ونمت بعدها نومة هانئة استيقظت بعدها لصلاة الفجر، ووالله العظيم أنني شعرت بالعافية دبت في جسدي من جديد، وشعرت بنشاط طبيعي دون العلاج ، ذلك النشاط الذي لم يكن يأتي إلا بعد أخذ العلاج بساعات.
أيقنت أن الله قد استجاب وهو المجيب، و كيف لا يستجيب؛ وهو الذي ينادي كل ليلة : هل من داع فأجيبه؟ هل من سائل فأعطيه؟
كنت متحمساً للموعد القادم عند الاستشاري وبالفعل أتى الموعد وكانت النتيجة كما توقعت، ارتفاع غير مسبوق لمستوى الهرمون، مما جعل الطبيب يشك في نتيجة التحليل، وطلب إعادته مراراً وتكراراً، وفي كل مرة يجد الهرمون في ارتفاع.
انبهر من النتيجة ولم يصدق ما يرى، فطلب مني أن يعمل لي اختبار للغدة ليتأكد من عودتها لطبيعتها..
وبالفعل كانت نتيجة الاختبار مبشرة بالخير و تؤكد نتائج التحليل.
الآن أنا في مرحلة العلاج من التعود على ذلك العلاج بتخفيض الجرعة تدريجياً حتى أستطيع الاستغناء عنه.
قال لي الطبيب ستشعر بالتعب ولكن ليس بسبب الغدة فهي الآن طبيعية، وإنما بسبب التعود على العلاج فعليك أن تقاوم..
هذا التعود يشبه الإدمان ولكن تستطيع تجاوزه بإذن الله)) انتهى .
ترددت كثيراً قبل كتابة هذا المقال، ولكن ليطمئن كل مريض أن رحمة الله وسعت كل شيء.
{ولا تيأسوا من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} .
🖊️أبونواف
الجمعة ١ شعبان ١٤٤٣ هـ