خلقنا الله -عز وجل- بنظامٍ وتركيبٍ فريد فميزنا بالعقل وجعل لنا قلوباً تفيض بالمشاعر الإنسانية المختلفة، فنحن نسعد ونحزن، نتفائل ونكتئب، نصبر ونجزع، نحلم ونغضب، فهذا هو قلب الإنسان الذي قيل فيه: "ما سمي القلب قلبا إلا لتقلبه وتبدله" وفي زمن التكنولوجيا المتطورة الذي نحيا به الآن، صارت الأجيال أشد ضعفاً وأوهى عزيمةً فلا طموح ولا جهاد، وصرنا نعاني من هشاشة نفسية شديدة تجعل الإنسان يجزع لكل شدة ولكل عنت، ويؤثر إنهاء حياته بيديه، فازدادت بذلك نسب الإنتحار بين عموم الناس، وخاصة الشباب صغار السن.

أصبحت هذه الهشاشة للأسف صفة سائدة على كثير من الأجيال الصاعدة بشكل خاص، وكثرت شكايتهم من الضغوط النفسية التي يمرون بها وتوعز إليهم كثيراً بفكرة الانتحار، وعند التأمل في الأسباب خلف هذه الضغوط نجدها كثيرة ومتشعبة، غير أنها ترجع في النهاية إلى ثلاثة أسباب مركزية تتفرع منها، وهي: (العلاقة بالله عز وجل – العلاقة بالأبوين والأخوة – دوائر المعارف التي يحيط الأنسان بها نفسه).

أولاً: العلاقة بالله -عز وجل- فإنه مما لاشك فيه أن الإنسان بفطرته متدين، والحالة النفسية والشعورية العامة المستقرة للإنسان يساهم فيها مدى تمسكه بعلاقته الدينية، وفي ديننا الإسلامي تتجلى الفوائد العظيمة للشعائر الدينية التي نمارسها، فهي تمثل العبادة لله -عز وجل- وفعل الصواب فبذلك يرتاح ضمير الإنسان، وتساهم في استقرار الحالة النفسية للإنسان لما في العبادة من روحانيات إيمانية، تطرد كل المشاعر السلبية من قلب وخاطر الإنسان، فتكون مثل الفلتر الذي ينقي من الشوائب، فمعلوم أن المشاعر السلبية كلما تراكمت داخل الإنسان كلما أدت إلى هلاكه.

ثانيا: العلاقة بالوالدين والأخوة، فمعلوم أن المنزل هو الوطن الخاص جداً للإنسان الذي يأوي إليه عند كل خوف أو إرهاق، ليحظى عن طريقه بالراحة والأمان، غير أن الكثير من الناس تكون هذه الأوطان الخاصة بالنسبة لهم من أكبر أسباب الحزن والقلق، فالأمر إما أن يكون الإنسان صاحب نية طيبة غير أنه مستهتر يكرر أخطائه مرة تلو الأخرى بالرغم من تنبيهه إليها، فيستجلب بذلك غضب والديه فتتوتر العلاقة وتتحول إلى مصدر للمشاعر السلبية، وإما أن يكون الوالدان أحدهما أو كلاهما فظاً غليظ القلب يقسوا ويظلم، أو يكون مهملاً لا يراعي مطالب أهل بيته، فمفتاح حل الحالة الأولى أن يغير الإنسان من سلوكياته، فبتغيير الأسباب تتغير النتائج، والحالة الثانية فتأتي بوعظ ولي الأمر عن طريق إخوته أو جيرانه أو أصدقائه، وإن لم يرجع فالحل هو الصبر والتجنب مع حفظ الأدب.

ثالثاً: الدوائر المعرفية التي يحيط الإنسان بها نفسه في مراحل حياته المختلفة، فالإنسان خلقه الله -عز وجل- اجتماعياً يحب أن تكون بينه وبين غيره علاقات ومعارف، وهنا مكمن الخطر، فيجب على هذه العلاقات أن تكون منتقاة بعناية، لأن الإنسان يتأثر بمن يحيط بهم نفسه، إن كانوا على خيرٍ كان معهم وإن كانوا على غير ذلك كان معهم، فتعود أغلب المصاعب الخارجية التي يعاني منها الإنسان، لهذه الدوائر المعرفية التي ارتضاها لنفسه، فأهمية انتقاء هذه الدوائر يكمن في أنها ستؤثر على حياة الإنسان، لذلك يجب أن ينتقي دوائره المعرفية بعناية شديدة، ولا نعني بذلك أن يقاطع الإنسان غيره ممن لا يجد في قربهم عائداً طيباً، ولكن نعني بذلك تحجيم العلاقة بحيث لا تؤثر عليه سلباً، وهذه هي مفاتيح التغلب على هذه الضغوطات النفسية من وجهة نظري، وأتمنى لي ولكم السلامة.