إيران أو ما كان يعرف بفارس شكلت والروم اهم قوتين في العالم القديم , وكانت العلاقة بينهما بين كر وفر يتقاتلان على مناطق النفوذ ولا شك ان بلاد العرب كانت المنطقة الرئيسية لتلك المعارك ونخص منها بالذكر ارض فلسطين التي تمثل قلب المنطقة وقد انتكبت بعدة مصائب من قبل القوى الكبرى آنذاك لأنها معبر في كل الاتجاهات, وعودة على بدء فإن الفرس بقيادة امبراطورهم  قورش الثاني استطاع طرد البابليين منها العام 539 ق.م واستمر ملكهم لما يقرب من القرنين  وتقول المصادر ان الفرس هم الذين ارجعوا اليهود الذين سباهم البابليين الى ارض فلسطين والسماح لهم بإعادة بناء الهيكل واستعاد الفرس السيطرة على فلسطين في العشرين من مايو العام 614 م في عهده ملكهم كسرى.

تلكم نبذه مختصرة عن علاقاتنا بإيران في العصور الاول, والى عهد قريب كانت علاقة الشاه بدولة الكيان الصهيوني جد ممتازة, سرعان ما انقطعت معه عقب ثورة الخميني الذي اقام علاقت دبلوماسية مع الفلسطينيين ودعاهم الى تحرير ارضهم وخاصة بيت المقدس!, ومساعدتهم في المحافل الدولية والتعريف بقضيتهم لأجل اقامة دولتهم.

الايرانيون وبعد الثورة وقفوا وبقوة الى جانب فلسطين وأمدوا الفصائل الفلسطينية المقاتلة بالمال والسلاح رغم ان هؤلاء محاصرون من قبل بني جلدتهم العرب وان الشعب الفلسطيني شعب سني بمجمله, فلماذا هذا الوقوف المحفوف بالمخاطر الى جانب الفلسطينيين؟ , البعض منا ينظر الى الشيعة عندما يضربون انفسهم بالسلاسل وينزفون دما في ذكرى مقتل الحسين على انه نوع من الشعوذة لكن العرب فاتهم ان الشيعة عندما يقومون بذلك فهو تجسيد للتضحية بالنفس في سبيل الغير وتكفيرا عن الذنب الذي ارتكبه (اسلافهم) ولا أبالغ ان قلت اسلافنا في خذلان الحسين عند كربلاء .

ساعد الايرانيون الشيعة بجنوب لبنان لرفع الضيم عنهم حيث ان حكومتهم لم تفعل شيئا وكذلك بقية العرب السنة واستطاع هؤلاء الشيعة استرداد ارضهم المغتصبة بقوة السلاح وتقديم آلاف الشهداء وإحداث معادلة توازن الرعب مع العدو, أ ليس عارا على العرب السنة مجتمعين ان يعجزوا عن فعل ما يفعله الشيعة القليلون العدد. والعرب والسنة منهم على وجه الخصوص لم يستطيعوا تحرير اي جزء من اراضيهم المحتلة ولم يحرروا بيت المقدس من براثن العدو طوال الستة عقود الماضية, فهل يفعلها الشيعة بقيادة ايران ويتحرر بيت المقدس ويصلّى به.             

الايرانيون او كما يحلوا لبعض العرب تسميتهم بالمجوس عبدة النار وكأنهم لم يدخلوا بالدين الاسلامي بل نعتوهم بأن لا ادمغة لديهم وكانوا يقيمون معهم اوطد العلاقات ابان الشاه ولم يحركوا ساكنا عندما سلمت بريطانيا الجزر الثلاث الى ايران الشاهنشاهية. إيران وطوال الثلاث عقود الاخيرة تشهد حصارا اقتصاديا وتقنيا من جانب الغرب لكن أبناءها اخذوا على عاتقهم بناء دولتهم العصرية بانتاج بعض انواع الاسلحة للدفاع عن النفس ومنها الطائرات بدون طيار اضافة الى السير قدما في برنامج الطاقة الذرية للأغراض السلمية. كذلك استنوا نظاما انتخابيا يشبه النظام الأمريكي فحددت مدة الرئاسة بأربع سنوات ويتبادل على السلطة وفق الظروف محافظون واصلاحيون (ديمقراطيون وجمهوريون) وان السياسة العامة الخارجية شبه ثابتة وان هناك هامش حركة للرئيس المنتخب كما هو الحال بالنسبة للأمريكان, لقد فوّت الإيرانيون الفرصة على الغرب الذي لم يصدّق نتائج الانتخابات المتكررة فبهتوا واقتنعوا أنهم أمام أناس يجيدون فن السياسة كما يجيدون عن سبق إصرار وترصد إدماء أجسادهم, واقتنع الغرب أن لا فرق بين إصلاحي ومحافظ فكلا التياران يعملان لصالح الدولة وان اختلفت الأساليب, وبالتالي أصبحت إيران دولة إقليمية معترف بدورها رغم جبروت الأعداء, فماذا استطعنا نحن العرب ان ننتج لأنفسنا رغم ثرواتنا التي لا تنضب وأعدادنا الغفيرة التي تزداد يوما بعد يوم , اننا مجرد سوق استهلاكية لمنتجات الغرب بدءا بالغذاء وانتهاءا بالسلاح الذي لم نستخدمه (الا في الاحتراب فيما بيننا), فلم نحرر ارضا او نغيث مستجيرا بل يبقى السلاح مخزنا الى ان يصدأ, نحن العرب ننفق اموالنا لأجل مساعدة اسيادنا في الخروج من الأزمات المالية التي تخنقهم.ان اقتصاديات دولنا العربية تتمثل في شيئين هما النفط والسياحة,النفط يصدر كمادة خام الى الغرب وأما السياحة بالبلاد العربية فهي فسوق ومجون, بمعنى أننا نستجلب الاخرين للاستمتاع ببناتنا (نبيع شرفنا) بمعظم أقطارنا التي يقولون عنها سياحية وبأكثر وقاحة فإن بعض الدول النفطية (ومنها ليبيا) تسعى الى منافسة تلك الدول وتتحضر لأن تكون بلدانا سياحية.

(ترى هل لم تكفنا أموال النفط ؟, ام انه حب المنافسة وان كانت المتاجرة بالشرف!). ومن يدري فقد نبدأ قريبا في تصدير بناتنا للخارج كما نصدر براميل النفط (البحث عن موارد بديلة للنفط  !), فقد تعودنا على الإسراف والتبذير ولا بد من تدبير الأموال اللازمة لذلك وبأي وسيلة تكون.

اربعون عاما من الحصار, لكن الايرانيون لم يكلوا او يملوا بل استمروا في بناء دولتهم, أقاموا مصانع مختلفة في المجالات المدنية, ولأنهم يرون انفسهم مستهدفون, طوروا الاسلحة بمساعدة اصدقائهم,صواريخ بعيدة المدى, عربات مجنزرة, دخلوا عصر الصناعات الجوية فكانت الطائرات بدون طيار بعيدة المدى وشهد الاعداء بتفوقها, لديهم انتماء قوي لوطنهم, سخروا كافة امكانياتهم لبنائه واصبحوا يجارون العالم في مختلف انواع العلوم.

ولجوا عصر الذرة, أقاموا المفاعل النووية للأغراض السلمية, اجبروا العالم على التفاوض معهم والاعتراف بحقهم في ذلك, بينما نحن لم نقم اي مفاعل باستثناء مفاعل تموز العراق الذي دمره الصهاينة.   

لقد نجح الغرب في ايهامنا بان الايرانيين هم الد اعدائنا وليس الصهاينة المحتلين لأرضنا, اصبحنا نطلق عليهم المجوس, بينما قمنا بالتطبيع المجاني مع الصهاينة, ونستقبلهم في اراضينها بالأحضان ونتعانق ويشرب بعضنا معهم الانخاب,ونشتري منهم مختلف انواع الاسلحة, بينما يدهس هؤلاء بني جلدتنا في القدس والضفة الغربية ويقتلعون الفلسطينيين من جذورهم في العديد من الاحياء والمدن وبالأخص حي الشيخ جرّاح. لقد بلغ بنا الانحطاط حدا بحيث اصبحنا نشك في انتمائنا الى الامة التي ابهرت العالم بقوتها وعلمها وتسامحها.  

بقلم/ ميلاد عمر المزوغي