من مبدئيات الفقه الإسلامي أن يُعرف أين توضع مراتب الفقه والاجتهاد، فمن بحث في الحديث النبوي وتمعن في قراءته، وجد أن معظم الأحاديث تدور حول فقه العبادات، ففقه المعاملات، وأخيرا الفقه السياسي الذي تكاد تكون النصوص عنه نادرة.
على ضوء هذه المعرفة، نجد أن كتب الفقهاء توسعت فيما كثرت فيه النصوص، فتجد المجلدات الكبار في قضايا العبادات وفقهها، بينما تجد مجلد واحد أو أقل من المجلد لكتب السياسة الشرعية.
قد يظن البعض أن هذا تساهلا من قِبل الفقهاء في قضايا العدالة والحُكم ولكن في حقيقة الأمر أن قضية السياسة الشرعية هي من الأمور المسكوت عنها بالرغم من حاجة الأمة الماسة لممارستها، ومن هنا جاءت القاعدة الأصولية: (السكوتُ في معرض الحاجة بيان)، أي أن هذا السكوت التعمدي من الشارع هو إلزامٌ للمؤمنين بالإجتهاد في الباب المسكوت عنه بما يحقق كليات هذا الفقه من ثوابت تكلم عنها العلماء في كتبهم ووردت في النص قبل ذلك.
حينما نتيقنُ من هذا الأمر ندرك خطأ دعوى اتباع الكتاب والسنة المجردة، حيث أن أصحاب هذا المنهج يحصرون أنفسهم -من حيث لا يعلمون- بفقه العبادات فقط لكون النصوص أغلبها فيه وينسون أبواب الفقه الأخرى التي تُبنى على الإجتهاد كالإستصلاح (وهو أساس الفقه السياسي وعمدته) أو الاستحسان أو العُرف أو...، هذا عوضا أن النصوص الشرعية متناهية، ولكن من فَقِهها علم أنها تصلح لكل زمان ومكان وأنها نصوصٌ مشعة بما تؤصله من أصولٍ أخريات لتكون غير متناهية في المسائل الحياتية جميعها.
وعلى ذلك أقول: من أنكر أصول الفقه فهو مفتري على كتاب الله وسنة رسوله بل هو مخالفٌ لهما فلابد من اعتبار المصالح والموازنات وسد الذرائع وغيرها من أصول وذلك فيه اتباع للكتاب والسنة أصلا.