ليس من فراغ دعوى المسلمين أن دينهم أصلٌ لكل سلامٍ وأمانٍ ورحمةٍ ونورٍ وتكافلٍ بين الناس، فبغض النظر عن أن أصحاب الدعوى هم المنتمون لهذا الدين، فإن شاهد الواقع في كل زمانٍ ومكانٍ أثبت صدقها وأبان عن حقيقة وجودها، فكل معجب بأي تقدم في الأخلاق والنظم الإجتماعية ووسائل التكافل والتراحم بين الناس، يجد لذلك توجيهاً ورعاية وأمراً بهذا النظام في شريعة المسلمين، ومثال ذلك الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي سعيدٍ الخدري -رضي الله عنه- قال: "بينَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِذ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَال رسولُ اللَّه ﷺ: مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ، وَمَن كانَ لَهُ فَضْلٌ مِن زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَن لا زَادَ لَهُ، فَذَكَرَ مِن أَصْنَافِ المَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لا حَقَّ لأحدٍ مِنَّا في فَضْلٍ.

وتطبيق هذا الحديث الشريف من باب التكافل الإجتماعي وفي الوقت الحالي يعد مطلباً أساسياً وضرورة ملحة، ففي الشق الأول من الحديث نجد الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- يحث كل من كان له دابة، ولديه الإمكانية ليحمل معه شخصاً آخر عليها أن يفعل ذلك، ويمكن أن يقاس على ذلك كل من كان له سيارة أو دراجة نارية أو وسلية مواصلات تحت تصرفه، فكثيراً ما يوجد أناس في الطريق يسيرون بدون وسيلة نقل لأي سبب كان، ويمنعهم الحياء أن يطلبوا من أحد السائقين أن يحملهم، لذا فالتطبيق العملي للحديث في هذا الموقف يحل هذه المعضلة، ونعم هناك أوقات وأماكن لا يمكن فعل ذلك فيها، مثل الأماكن المهجورة وأوقات الليل لتواجد أهل الشرور والفساد وكثرتهم آنذاك، ولكن عند عدم وجود هذا الاستثناء فتطبيق الحديث عندئذ أدعى للتكاقل بين الناس.

أما الشق الثاني من الحديث فيحث فيه الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- كل من كان لديه زائد عن حاجته وحاجة أهل بيته من الطعام، فليعد به على من يعرف أنه لا طعام عنده أو أن ما يوجد بيديه لا يدفع جوعاً، ويفعل ذلك مع الأقرب فالأقرب، فهذا بحد ذاته من أعظم أبواب التكافل الاجتماعي والتراحم بين الناس، فكم سمعنا عن أناسٍ يملئون صناديق قماماتهم بالطعام وغيرهم لا يجدون ما يطعمون بها أهليهم فضلاً عن أنفسهم ولا حول ولا قوة إلا بالله، لذا فالتطبيق العملي للحديث في هذا الشأن من أوسع أبواب البر والرحمة، خصوصاً أننا الآن في أحد الأشهر الحرم التي يعظم فيها أجر العبادات وتكثر فيها القربات، وهذا الباب من أعظم القربات عند الله.

وأخيراً فلنحرص على تطبيق هذا الحديث كلٌ على قدر إمكاناته، وليكن طاعةً لله وطاعةً لرسوله -صلى الله عليه وسلم- قد جائنا رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- بتعاليم أخلاقية واجتماعية تحقق السلام والأمان والوفاق بين الناس بعضهم البعض ،وهذا من رحمة الله بالعباد يقول عز من قائل: "لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ ِمِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ* فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ".