نعيش في هذه الأيام فعالية طيبة، هي عيد المثقفين وروضة القراء وعشاق المعرفة والتصفح، فهذه الأيام يقام فيها الآن معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهو فرصة عظيمة للقراء والكتاب على حد سواء، فالقارئ يجد بغيته من نفائس الكتب بأسعار ميسورة وفي المتناول، ويطلع على الجديد من المؤلفات القيمة الجديرة بالإطلاع، أما الكاتب فمن أجل أن يُظهِرَ مؤلفاته للنور ولتجد فرصة المعرفة والرواج بين جمهور القراء والمثقفين.
غير أن المعرض على قدره وجلالته وأهميته، لا يكون بهذه الأوصاف وهذه المكانة إلا عند فئة قليلة من الناس، أما الباقي فلهم في الحضور هناك مآرب أخرى، فبعضهم غاية أمله الترويح عن النفس والتنزه، وبعضهم من المفتونين بالسوشيال ميديا غرضهم توثيق رحلة، وادعاء الاهتمام بالقراءة وكسب الشهرة وغيرهم كثير، ولذلك تجد في إحصائيات المبيعات الخاصة بالمعرض، أن مبيعات الكتب قليلة جداً عند مقارنتها بغيرها من المأكولات والمشروبات ووسائل الراحة والترفيه، وأنا لا أعيب وجود ذلك ولكن أنعي حظ الكتب.
وعند ذكر معرض الكتاب أود أن أنصح معاشر الكُتَّاب، فبعضهم لعلمه بعظيم الفرصة لمعرفة المؤلفات الجديدة في المعرض، يتعجل في إنهاء مؤلفه على حساب المراحعة الدقيقة لغةً وموضوعاً، وذلك يعود بالخسار والوبال على الكتاب، فما قيمة وجوده في المعرض وبه من الأخطاء والهنات ما لا يُغفَر لمن سمى نفسه كاتباً، فعلى المؤلف أن يتأنى وأن يعطي مؤّلَّفَهُ حقه من الرعاية والعناية، وليعلم أن المعرض كما هو فرصة عظيمة للذيوع والرواج، فإن المنافسة فيه شديدة، ولذلك أنا أميل لرأي بعض الكتاب أن الفرصة الأفضل تكون في الدعاية المناسبة في غير أيام المعارض، وعلى رفوف المكتبات المختلفة.
وأختم مقالي هذا بأن القراءة لا بديل ولا غنى عنها للإنسان، فمهما كثر قول المادحين فيها فليس هناك حد لوصفها وبيان أهميتها، ولعل أجل فوائدها هو اختصار التجارب والأعمار الكثيرة في سطور قليلة، يكتسب القارئ هذه الخبرات في ساعات وأيام قليلة، وبذلك يتطور فكره ويَنضُجُ عقلُهُ ويَحسُنُ رأيه ويَكثُرُ صوابُهُ، فلا بد من ملازمة القراءة بصفة يومية ولو بأقل القليل، حتى ولو عدة أسطر يومياً ورحم الله الشاعر حينما قال:
"أعز مكان في الدنيا سرج سابح * وخير صديق في الزمان كتابُ"