بسم الله وأصلي وأسلم على رسول الله وبعد :

فالكتاب كما ذكر المؤلف هو وَرِيث تأملات حاول من خلالها عقد فصول مدلَّلَة بالشواهد على مشكلات وتساؤلات في أربعة محاور : مفاتيح التكوين العلمي ، والآثار السلبية الخفية للسِّجال والجدل ، وغيوث الإيمان الربَّانية ، وما يعرض للقلوب من الآفات .

# المحور الأول : مفاتيح التكوين العلمي ..

(١) المعرفة الشاردة : ويقصد بها المعلومات التي تُنسى ، كمن يقول : بمجرد إغلاقي للكتاب لا أذكر المعلومات التي بين دفَّتيه !

- أما حل هذه المشكلة فهو " ضبط الأصول واستذكار الفروع " ، ومثاله : التفقه على قول واحد ثم تصعيد النظر إلى الفقه المقارن ، فيضبط القول الواحد ( الأصل ) ، ثم ينظر في بقية الأقوال ( الفروع ) .

• كذلك أشار المؤلف إلى وسيلة لضبط الأصول وهي ( التلخيص والاختصار ) ، واستشهد بكثرة مختصرات الإمام الذهبي وغيره من أهل العلم .

(٢) المعرفة الكامنة : وهي المعلومات الموجودة مسبقاً لكن تُوجد صعوبة في استحضارها فحَلُّها في أمرين :

١. مساءلة المادة المُدَخلة وتقليبها على وجوه مختلفة : فمُساءلة المادة المُدخلة يكون بكثرة منقاشتها والمناظرة فيها ، أما تقليبها على وجوه مختلفة فيكون بطرائق عدة منها : لو تبارى مجموعة من حفظة القرآن على استخراج آيات الجنة من ربع القرآن الأخير .

٢. تفعيل النظرة الكلية : المقصود بها الاعتناء بالقواعد الكلية توطئةً لاستحضار التفاصيل الكثيرة فتجعل لك أصول كلية تسهل عليك حفظ الفروع التفصيلية ، وهذا عامٌّ في جميع العلوم ، كما قال ابن تيمية رحمه الله : ( لابد أن يكون مع الإنسان أصول كلية يَرُدُّ إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل ) .

• من أساليب تحصيل ملكة تفعيل النظرة الكلية : كثرة النظر والقراءة في أمثال كتب ابن تيمية رحمه الله .

(٣) الارتخاء المعرفي : تحدث المؤلف في هذا الباب عن المُلَحِيِّين وهم الذين يَنكَبُّون على المُلَح ( العلوم الفرعية ) ويُقِلُّون من العلوم الأصلية .

• ذكر المؤلف صوراً للمُلَح منها : الإكثار من قراءة الغرائب والروايات و المُذَكَّرات ، وأيضاً الولع بجودة الطبعات ودور النشر وغير ذلك .

• خُتِم هذا الباب بجملة لطيفة مُعبِّرة عن مضمونِه : " من المعارف دوراً للسُّكنى ومنها حدائق للنزهة ، والعاقل من يبني الدار قبل رصف البساتين ! " .

# المحور الثاني : السِّجال والجدال ..

(١) سمسرة المدافعين : تناول المؤلف في هذا الباب المشاريع الخاطئة للدفاع عن الدين وأنها ربما أضرت بأهل الحق ، وضرب مثلا على ذلك سمسمرة المدافعين الذين يُخْفُون عن الخصم شيئًا من الحق موافقةً لهوى ذلك الخصم ، فيصيرون من مبلغين للحق إلى سماسرة بالحق .

• نبَّه المؤلف من هذه العمليات التي سماها بـ عمليات الشطب اليسيرة التي يغفل عنها هؤلاء بالتنازل عن الشيء القليل مستشهداً بقوله تعالى : ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئًا قليلا ) قال السعدي في تفسيرها : من محبتك هدايتهم !

(٢) معارف المتجمهرين : وهي تلك الآراء الانفعالية الخاضعة للظروف النفسية التي تثير زخمًا مؤقتاً من الجدل لا فائدة فيه .

(٣) تقويم معارف المتجمهرين : ذكر المؤلف طريقتان لحسن تقويم المقالات الجديدة وهما (الفقه الشمولي ) وهو كما قال الشاطبي : " تصور الشريعة صورة واحدة " فينظر إلى المقال من عدة جوانب بتمعن والطريقة الأخرى هي ( فقه العمق ) ويكون بالتأمل ودقة النظر في المقال .

• كذلك تحدث عن حال هذا العصر الذي أمسى فيه الناس لا يكتَرِثُون بحقائق الأقوال مهما أوغلَت في الضلال ما دامت يُعَبَّر عنها بلغة رفيعة وأدب جم .

(٤) طاقات مهدرة : طاقات مهدرة في معارك صغيرة وهي حظوظ النفس والانتصار لها بالردود والجدال وتكون أيضًا في الانشغال بفروع العلوم ومُلَحه عن أصولها .

# المحور الثالث : البوارق ..

(١) تسييج الحصن : ومعناه يظهر فيما رواه ابن القيم عن شيخه ابن تيمية أن بعض الشيوخ قال له : ( مَثَلُ آفات النفس مثال الحيات والعقارب التي في طريق المسافر ، فإن أقبل على تفتيش الطريق عنها ، والاشتغال بقتلها : انقطع ، ولكن لتكن همتك المسير والإعراض عنها ، وعدم الإلتفات إليها ، فإذا عرض لك فيها ما يعوقك عن المسير ، فاقتله ثم امضِ على سيرك ، فاستحسن شيخ الإسلام ذلك جداً ، وأثنى على قائله ) . فبَدل أن تنهمك في مطاردة اللصوص انشغل بتسييج الحصن ولا تلتفت لما يعيقك عن الطريق .

(٢) بين طريقين : أسهب المؤلف في هذا الباب في الكلام عن شخصيتين تاريخيتين بارزتين وهما : شخصية أبي حامد الغزالي ، و شخصية عماد الدين الواسطي من عدة جوانب .

(٣) إبطاء وقت البوارق : البوارق هي التأييد الإلهي كما جاءت في التعبير التَّيمي ( وليصبر على ما يعرض له من الصوارف والموانع فإنه لا يلبث أن يؤيده الله بروح منه ) . فسالك الطريق إلى الله يجد في بداياته مشقةً تحتاج إلى مصابرة ثم يفتح الله عليه فيؤيده بروح منه .

# المحور الرابع : العوارض من الآفات ..

(١) بالون الزَّهْو : وهو شعور مؤقت بإنتشاءٍ معرفي يصيب طالب العلم في بداية طلبه فينتفخ عنده بالون الزهو ثم ما يلبث هذا البالون بالإنفجار عند ما يعرف الطالب حقيقة نفسه وضآلة ما وصل إليه .

(٢) تبعيَّةُ المشي على الأقدام : وهي وهمٌ يعتري الطالب في بداياته حتى يعتقد أنه بمخالفته يُعتبر مستقلاًّ برأيه ، فتراه ينتقص من شيخه وهو ينتفع منه ، كما قال ابن تيمية عن ابن سبعين بأنَّ ( أصل مادته من كلام صاحب الإرشاد وإن أظهر تنقُّصه ) ، فهو يرى الناس يمشون مطمئنين على أقدامهم فيبادر لوضع يديه على الأرض ليمشي على أربع ، طمعاً في تحصيل أكبر قدرٍ من الاستقلال ، يخرجه من تبعية المشي على الأقدام !

والله الموفِّق ..

...............................

كتبه : عبدالعزيز المعيبد

١١-٦-١٤٣٧ هـ